التربية الجنسية للأطفال بين ”العيب” والضرورة
الأكثر مشاهدة
فور أن يبلغ أطفالنا سن المراهقة، يبدأ الخوف والقلق في التسلل إلى أفكارنا، نريد أن نطمئن إلى قدرتهم على الحفاظ على أنفسهم، وأن يتكون لديهم وعي بالتغيرات التي تشهدها أجسادهم، ولكن يفوتنا أن ذلك لن يحدث من تلقاء نفسه، وعلى الأرجح، إذا تم فتح الباب أمام إمكانية اعتماد التربية الجنسية في المدارس، سيكون الجواب الرفض والامتعاض، وضرورة المنع.
بعد أن يكبر الطفل ويبدا في محاولة التعرف على نفسه، غالبا ما تواجه تساؤلاته بالتجاهل، رغم وجود الخوف من احتكاك هذا الطفل بالمجتمع الخارجي مع سنوات عمره الأولى والتحاقه بحضانة خارجية أو مدرسة، من الممكن أن يتعرض فيها لكثير من المواقف التي تتعدى على خصوصيته وحريته الشخصية، وقد تصل للتحرش او الاغتصاب، ولا يملك الطفل أمامها سوى الاستسلام لأنه لم يعرف كيف يمكنه الحفاظ على نفسه بسبب خجل الوالدين، وجهله بأهم المعلومات عن نفسه.
تعرفي على: العنف ضد المرأة وأشكاله واليوم الدولي للقضاء عليه
التربية الجنسية في المدارس
مؤخرا، قررت وزارة التربية التونسية القيام بإدخال مواد التربية الجنسية ضمن المناهج التعليمية للطلاب في المدارس، على أن تكون موجهة للأطفال م عمر 5 إلى 15 عاما، وهو القرار الذي أحدث كثير من الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماع، ليس فس تونس وحدها، ولكن في كثير من بلاد العالم العربي، الذي تعتبر تونس أولى الدول التي تتخذ هذا القرار به.
ما بين معتقد أن القرار يعني تدمير لـ "الهوية العربية الإسلامية" في تونس، وآخر يرى أنه ضرورة تحمي الأطفال أنفسهم دارت التعليقات وأُثير الجدل، فكان هناك نوع من الرفض المحمل بالسخرية للفكرة، ففي تعليق لمحمد كمال على فيسبوك قال "ودي هتكون عملي ولا نظري"، وقال آخر "وسكون المدرس اسمه برايز"، بينما اعتبر البعض أن ذلك "فسق".
لم يكن الرفض هو السائد، ولكن أيضا القوب وفق قواعد وضوابط معينة، أو عدم الاعتراض على الفكرة ولكن الخوف من الطريقة التي سيتم تنفيذها بها، فقالت مي مصطفى "المشكلة مش في تطبيقها.. المصيبة أنه اللي هيدرسوها عندنا معندهمش ثقافة من الأساس، ووارد جدا ينقلوا للأطفال معلومات مشوهة ومغلوطة"، واتفق معها محمود عبد الغفار "المشكلة فعلا مفيش حد مؤهل يدرسها بشكل صحيح"، واعتبر محمد عبد الله أنها خطوة واجبة ومتأخرة كونها "اتطبقت في فرنسا من 20 سنة"، انتشرت تعليقات "عقبالنا" في إشارة إلى رغبة تطبيق القرار في مصر وتعميمه في الدول العربية.
وفي ظل الحاجة في مجتمعاتنا العربية إلى دمج التربية الجنسية بالمناهج التعليمية، تشكو أسر المهاجرين السوريين والعرب من وجود مادة للثقافة الجنسية في بلاد أوروبا التي هاجروا إليها، فأعربت أمهات عربيات عن إنزعاجهن من الصور والموضوعات التي تقوم المدارس في ألمانيا بتقديمها لأطفالهن، واعتبروها "غير مناسبة لثقافتنا العربية والدينية"، كما رأين أنها "دعوة صريحة لممارسة الجنس"، للدرجة التي جعلت بعضهن يمنعن أطفالهن من حضور هذه الحصص.
وتعتبر السويد من أولى الدول التي طبقت تدريس التربية الجنسية في المدارس، وتم اعتبارها مادة إلزامية في عام 1955، وتركز على طرح موضوعات الثقافة الجنسية ضمن قضايا الصحة العامة، فتتناول أهم الأمراض التي يتم نقلها عن طريق التواصل الجنسي، وتقدم شرحا للجسم البشري وتشريحه، ووسائل منع الحمل، وكذلك تتطرق إلى قضايا التحرش الجنسي والمساواة.
ويشير خبراء المدارس الكندية أن تعلم التربية الجنسية يجب أن يبدأ من المنزل، حيث يقوم الآباء بإرشاد أطفالهم وشرح كل ما يتعلق بالحمل والولادة وفق عمر الطفل، مؤكدين أن تعلم التربية الجنسية وضمها لمناهج المدارس لا يعني تزايد رغبة الأطفال نحو ممارسة الجنس، وإنما يجيب عن تساؤلاتهم الفضولية ويرشدهم للمعرفة السليمة. وفي ألمانيا يتم تعليم الأطفال معنى كلمة جنس وما يتعلق بالتواصل الجنسي وكيف يحدث الحمل والولادة منذ المرحلة الإبتدائية، مع ضرورة إشراك الآباء والأمهات في العملية التعليمية، ومدهم دوما بالمعلومات التي تحصّل عليها الطفل، وفي أحيان يتم الاستعانة بأدوات مثل الواقي الذكري والصور لتوضيح ما يتم شرحه للأطفال.
اقرئي أيضا: حقوق الأم العاملة أقرتها القوانين وضاعت عند التنفيذ
مبادرات التوعية الجنسية
الجدل الذي أحدثه القرار التونسي، سبقته محاولات فردية لنشر الثقافة الجنسية بصورة عامة، ليس للأطفال فقط، ومنها موقع "الحب ثقافة"، الذي تم اعتباره منصة منفتحة تتطرق إلى الموضوعات المتعلقة بالصحة الإنجابية والجنس، وهو الموقع العربي لمشروع Love Matters الذي تقدمه إذاعة هولندا، وتم تدشين نسخته العربية في مارس 2014.
ويهدف مشروع موقع "الحب ثقافة" إلى نشر الوعي والثقافة الجنسية، لدى فئة الشباب، وأوضح الدكتور رامي متولي، منسق النخة العربية، في أحد الحوارات الصحفية، إن المشروع يشارك أيضا في الحملات التوعوية المتعلقة بالصحة الجنسية، منها قضايا ختان الإناث، والعنف ضد المراة، والتحرش الجنسي، كما أشار إلى أن متابعي الموقع في البداية كانوا يتبنون نبرات هجومية رافضة للمحتوى، ولكن مع مرور الوقت تم اعتباره بالنسبة للبعض منصة ثقافية حول أمور لا يتم الحديث عنها ويجهلها كثيرون.
ويعتمد المشروع على المعلومات العلمية، وصياغة تساؤلات المتابعين في مقالات تجيب عن رغبتهم في المعرفة عن أنفسهم بصورة أكبر، ويوضح مسئول المشروع أن 60% من متابعيه من مصر والمملكة العربية السعودية، بينما الـ 40% الأخرى من دول عربية مختلفة، ويأتي الإقبال على الموقع- حسب وجهة نظر المسئول عنه- نتيجة نقص المعلومات والمحتوى المتاح في موضوعات الصحة الجنسية والإنجابية.
ومن أجل إثراء ثقافة الآباء، والرد على تساؤلات الآبناء، قررت الدكتور غادة عز الدين، الطبيبة في مجال الصحة العام، إنشاء منصة "معلومة" كمبادرة تعمل على توعية فئة الشباب بمعلومات حول الصحة الجنسية والإنجابية بدأتها في عام 2012، وتأتي منصة "معلومة" كواحدة من مشروعات هيئة عالم واحد البريطانية وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بمصر، وكانت نتيجة دراسة اوضحت ان الشباب يجدون صعوبة في الحصول على معلومات باللغة العربية متعلقة بالجنس والصحة الإنجابية.
ومثلهم، ولكن بمحتوى أكثر جرأة ودون قيود، تقدم صفحة "سكسولوجي" على موقع فيسبوك معلومات تكسر تابوه الثقافة الجنسية في مصر والمجتعات العربية، واعتبرها مؤسسها أنها "أول مؤسسة مختصة بعلم الجنس باللغة العربية بدون تزييف أو تحريف للمعرفة العلمية أو تشكيلها لتناسب القناعات الخاصة بالبشر وتصوراتهم"، فهو يركز على عرض قضايا الجنس والمعلومات المتعلقة بالعلاقات الحميمة دون مواربة وتعمد التعبير عنها بصراحة.
وبعيدا عن هذه المبادرات، انتشر على صفحات الإنترنت وقنوات اليوتيوب محتوى يحاول أن يقدم التربية الجنسية للأطفال، نجد أنه يحمل مشاهدات عالية ونسب مرتفعة من الزوار، مما يعني أن هناك حاجة للحصول على معلومات ثقافية في الجنس والصحة الإنجابية، ورغم ذلك من الممكن أن يتساءل كثيرون عن أهمية تدريس التربية الجنسية للأطفال في المدارس؟
اقرئي أيضا: حكايات عن وصم الدورة الشهرية وتعنيف النساء بسببها
التثقيف الجنسي للأطفال
نظرا، لأن الأطفال في الغالب يتم اعتبارهم ضمن الحلقة الأضعف والأكثر تأثرا في خلال أوقات الصراعات، كما أنه يسهل التعرض لهم والتعدي عليهم جنسيا، خاصة، إذا كانوا لا يمتلكون الوعي الكافي، فوفق تقديرات منظمة اصحة العالمية لعام 2002 وجد أن هناك 150 مليون فتاة و73 مليون صبي أعمارهم أقل من 18 عاما يتم إجبارهم على ممارسة الجنس القسري، أو يتعرضون لأي شكل من أشكال العنف الجنسي.
وهو ما جعل التنويه على ضرورة حماية الطفل من الاستغلال والإساءات الجنسية، واعتباره واجب على الحكومات، التي صدقت على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، أمر ضروري، ولكن توعية الطفل بحدود الآخرين في التعامل معه جسديا يعد من أهم قواعد التربية الجنسية، التي قد تقيه الوقوع ضحبة اغتصاب او عنف أسري.
نتيجة غياب الثقافة الجنسية، يكون دوما الرد على تساؤلات الأطفال المتعلقة بأجسادهم وبالأمور الجنسية هي "لا نعرف"، أو "اذهب للعب الآن"، يقع الطفل، الذي يعد من الطبيعي في سنوات عمره الأولى، أن يكون لديه الفضول والرغبة في التعرف على طبيعة جسده، غير قادر على فهم الطريقة التي يحافظ بها على نفسه من التعرض للأذى، وما بين الرغبة في حمايته والخوف وانعدام الثقافة تضيع حقوق كل الأطفال.
يحصر كثيرون التربية الجنسية في مسألة العلاقات بين الجنسين، في حين يشير كثير من مستشاري الصحة الجنسية أنها تتعلق بالسلوكيات التي تهدف إلى الحفاظ على خصوصية الطفل، ومنع تعرضه للأذى، فمع ظن الآباء أن جهل الطفل سيحميه، يتضح أن عدم معرفته يؤذيه، فكم من أطفال تعرضوا للتحرش الجنسي والاغتصاب الذي أفضى إلى موتهم بسبب نقص المعلومات وفقدان آلية حماية أجسادهم.
وتعتبر أهم النقاط التي يتم التركيز عليها في التربية الجنسية، وفق آراء المتخصصين والخبراء، أن يكون الأطفال على وعي بحدود التعامل الجسدي مع أي شخص، فيرفضون بشكل تام الجلوس على أرجل شخص قريب أو غريب، مع ضرورة تعليمهم الخصوصية بتغيير ملابسهم في غرفة مغلقة ودون تواجد أحد سوى الأم أو الأب، مع حرص الآباء على عدم تغيير ملابسهن أمام الأطفال أكبر من عمر السنتين، حتى يترسخ لديهم مبدا الحفاظ على الخصوصية.
وبسبب حالات الاعتداء الجنسي، التي تحدث في كثير من الأوقات بين الأطفال وبعضهم، من المهم متابعة- عن بعد- الطريقة والأشخاص الذين يلعب معهم الطفل، مع ضرورة أن يعي الطفل أنه غير مسموح لأي شخص بلمس جسده، وخاصة، أعضائه التناسلية، مع ضرورة الاستماع إليه والإجابة عن تساؤلاته، مع تعمد استخدام الأسماء الصحيحة لأجزاء الجسم، والتفريق الواضح بين الأنثى والذكر، وتحصينه بالمعلومات التي يمكنها أن تمكنه من الدفاع عن نفسه.
اخبرينا عن طريقتك في الإجابة على تساؤلات طفلك، ومدى موافقتك على تطبيق التربية الجنسية في المدارس؟
اقرئي أيضا:
قصص عن التبني في مصر واجهت المجتمع والحرمانية
الكاتب
احكي
الجمعة ٠٦ ديسمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا