اكتئاب الحمل معضلة نفسية لا يراها المجتمع
الأكثر مشاهدة
في أثناء فترة الحمل تمرين بالكثير من التقلبات المزاجية التي تتفاوت في حدتها، وفي بعض الحالات يصل الأمر حد الاكتئاب، إلا أنه لا يطلق عليه "اكتئاب ما بعد الولادة" إلا إذا استمر بالفعل لفترة ما بعد ولادة رضيعك، وهنا تحتاج المرأة إلى مناخ اجتماعي مختلف يعتمد في الأساس على الدعم النفسي إلا أن ما يحدث- في بعض الأحيان- يتسبب فيتفاقم الأزمة وحدوث كثير من المشكلات النفسية التي قد تصل حد إنهاء العلاقة الزوجية من الأساس.
"بتدلع – مش أول حد يولد- مزودة الموضوع- ما الناس كلها بتولد- غاوية نكد".. تعليقات سمعناها جميعًا سواء من مر منا بتجربة الحمل أو لم يمر بها، إلا أن هذه التعليقات بالطبع مرت على الأقل لمرة واحدة على أذنيك بعد أن تعرضت إخدى أصدقائك أو أقاربك لاكتئاب ما بعد الحمل، وكأن الأمر في يد المصابة بهذا النوع من الاكتئاب!
اقرئي أيضًا: أسباب تأخر الحمل وحلولها
المرض الأكثر حدة من الاكتئاب بكل أنواعه وما يتضمنه من اكتئاب ما بعد الولادة هو الاستهتار به وبمشاعر المصابة به، فمن يُعلق على مريض الاكتئاب بالتعليقات السابقة أو ما يشابهها، لا يفكر في ما سيتسببه من ألم نفسي يصل حد الأذى لمريضة اكتئاب ما بعد الولادو، هم يتركون تعليقات من باب ما يعتقدونه لطف أو علم ببواطن الأمور أو الخبرة، ويبحثون عن أمور أخرى تشغلهم، إلا أن تأثير هذه التعليقات يظل داخل المرأة التي تعاني من آثار ما بعد الولادة ويسبب في أذى كبير، لن نبالغ إن قلنا أنه قد يدفعها في بعض الحالات للانتحار!.. فالكلمات القاسية في الوقت الذي يلا يحتمل فيه مريض الاكتئاب أي أمر مهما كان بسيطًا ما هي إلى حلقات تشكل حبل على رقبته ربما يتسبب في إنهاء حياته.
كثير من الحالات التي تسوء حالاتها في فترة ما بعد الولادة، وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية تؤثر على العلاقة الزوجية من الأساس لا يكون السبب الرئيسي بها هو فقط ما تشعر به من أعراض الاكتئاب، وإنما الطريقة التي تعامل بها المحيطون بها معها بداية من الزوج حتى الأقارب والأهل والأصدقاء.
أعراض كثيرة تكون مؤشر قوي لإصابة المرأة باكتئاب ما بعد الولادة، تبدأ باكتئاب فترة الحمل، والذي قد ينتهي قبل الولادة بدعم المحيطون، أو بالأعراض التي تستمر ححتى بعد الولادة، ومن أهم هذه الأعراض، فقدان الشغف تجاه أي نشاط من الأنشطة الاجتماعية، عدم الرغبة في التواصل، الإرهاق المستمر، الندم على الحمل من الأساس وربما يصل إلى حد رفض الرضيع ورفض التعامل معه لفترة محددة، سرعة الغضب والانفعال، الشعور بعدم القيمة، اضطرابات النوم وغيرها.
كثير من النساء معرضة لاكتئاب ما بعد الولادة إلا أن النساء الأكثر عرضة له هم اللذين تعرضوا لنوبات اكتئاب في الماضي، أو المحاطون بظروف اجتماعية صعبة وحياة زوجية تؤهل لحدوث الاكتئاب، أو من مرت بتجربة حمل سيئة وثابلت صعوبات شديدة في فترة الحمل أو الولادة.
وأعراض اكتئاب ما بعد الولادة كثيرة ومتعددة تختلف من شخص لآخر، فليس بالضرورة أن تجتمع كلها في حالة واحدة بل تتفاوت بحسب الظروف الاجتماعية المحيطة بكل شخصية وكذلك طباعها واستجابتها وتأثرها النفسي بالأمور، فـ"منى"، 32 عام، استمر معها اكتئاب الحمل لما بعد الولادة وكانت أعراضه متمثلة في الرغبة في البكاء بشكل مستمر، وفقدان القدرة على التواصل الاجتماعي، والرغبة في الشجار مع زوجها، فضلًا عن التوتر والعصبية الدائمة.
أما "رنا"، فأعراض الاكتئاب التي واجهتها تمثلت في الشعور بالندم على الحمل من الأساس، وفقدان الرغبة في العلاقة الحميمة مع الزوج بل والنفور منه أيضًا، فضلًا عن التفكير من وقت لآخر في الانتحار، وهو ما شاركتها فيه "مروة"، 30 عام، بالإضافة إلى فقدان الثقة في النفس، والرغبة في العزلة الدائمة، والشعور المبالغ فيه بالقلق والخوف.
إلا أن النماذج السابقة ربما تفاوتت في شعورها بأعراض اكتئاب ما بعد الولادة إلا أنهم واجهوا جميعًا النقاشات الاجتماعية التي وصفوها بـ"مزعجة حادة" والتي كانت سببًا رئيسيًا في زيادة الشعور بأعراض الاكتئاب، فتقول مروة أنه على الرغم من أنها كانت هناك بعض الدوائر المحيطة بها كانت تشكل لها دعمًا نفسيًا إلا أنها انسحبت منها تمامًا بسبب بعض الأشخاص الموجودين اللذين كانوا يخرجون تعليقات "سخيفة" من نوعية "انتي مش أول واحدة تحمل وتولد".
وتصف مروة هذه التعليقات والأشخاص بـ"المؤذيين عديمي الإنسانية" نظرًا لأنهم قد يكونوا في بعض الأوقات دافع قوي لتتخلص امرأة من حياتها تمامًا تحت ضغط الاكتئاب الذي تواجهه.
في النهاية فإن الاكتئاب مرض ككباقي الأمراض تشخيصه ضرورة وعلاجه أمر حتمي، إلا أن هناك بعض الأسباب التي تتسبب في حدوث مضاعفات له، أهمها غياب الدعم النفسي والتواجد في دوائر اجتماعية خطرة، فالأخطر من الاكتئاب هو تعامل المحيطين مع الشخص المكتئب بطرق حادة لا تناسب حالته وتخلو من الدعم النفسي
الكاتب
هبة حامد
الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا