لوم الضحية.. لماذا نترك الجاني ونضغط على الأضعف؟
الأكثر مشاهدة
تجلس في المواصلات العامة ككل يوم، فجأة تجد يد تمتد على جسمها فتصرخ كرد فعل طبيعي في محاولة للدفاع عن نفسها، فتسمع تعليقات مثل "استري على نفسك"، "عيب اللي بتقوليه ده"، "ما أنتي اللي لابسة ضيق"، وتجد نفسها فجأة في مواجهة انتهاك جسدي ومتحرش وداعمين له وهي المسئولة عن كل ذلك.
يضربها زوجها في نهار شهر رمضان، فتصور وجهها المدمى والكدمات التي تحيط بعينيها وتضع الصورة في إحدى المجموعات النسائية على فيسبوك لتتلقى دعمًا أو لعل أحد يدلها ماذا تفعل كرد فعل "إنساني" في مواجهة الضرب والإهانة، فتحصل على تعليقات تطالبها بالصبر وتسألها "عملتي إيه علشان يعمل فيكي كده؟".
فتاة قاصر تظهر في بث مباشر على أحد المواقع التواصل الاجتماعي، ملامحها مخفية من آثار الضرب، تقول أنها تعرضت للاغتصاب والتصوير تحت التهديد، فتبدأ التعليقات في تحميلها ما حدث لها، بل الأمر تأييد الاغتصاب في حقها كونه "رادع أخلاقي" لها ولغيرها.
هذه 3 مشاهد واقعية حدثت خلال الأسابيع الأخيرة وتحدث كل يوم، ثقافة لوم الضحية متنشرة ومتفشية بين البشر في كل الثقافات، عبارات جاهزة يتفوه بها هؤلاء الأشخاص لتحميل الضحية الذنب والبحث عن الأسباب التي جعلتها "تستحق" ما حدث لها.. لماذا يحدث ذلك وكيف يمكن مواجهته؟
ما هي ثقافة لوم الضحية؟
عندما يتم إلقاء اللوم على الضحية وليس الجاني وجعلها تتحمل المسؤولية- أو جزء منها- عن الاعتداء، فهذا يُعرف بلوم الضحية. ويتم افتراض أن الشخص الذي تعرض إلى الاعتداء قد قام بشيء "سيء" ليستحق ما تعرض له من اعتداء بشكل ما، من خلال أفعاله أو ملابسه أو كلماته.
وبذلك يصبح لوم الضحايا سببًا رئيسيًا في أن معظم الناجيات من العنف الجنسي والمنزلي لا يبلغن عن الاعتداء عليهن، بسبب الخوف من إلقاء اللوم عليهن ولأنهن يحملن بالفعل مشاعر الذنب والعار لما حدث. فالمجتمع يصب اهتمامه على ضحية الاغتصاب أو العنف ويُسألها عن علاقتها بالجاني وطريقة ملابسها وأفعالها السابقة، ويترك المغتصب يُعد نفسه لاغتصاب ضحية جديدة بل يمنحه مبررات ليسهل عليه طريقه.
حقيقة: ما هي الأشياء هي المتسببة في حدوث الاغتصاب؟ المغتصبون. نعم فقط، لا يوجد شيء آخر.
لماذا يميل الناس للوم الضحية؟
يميل الناس إلى الاتجاه للوم الضحية بدلًا من الجاني لأن كثير منهم يفضلون الاعتقاد أن الضحية تسببت فيما وقع عليها وذلك يجعل العالم يبدو مكان أكثر أمانًا بالنسبة لهم، ويشعرهم أنهم لن يتعرضوا للمثل لأنهم لا يقومون بنفس التصرفات.
إلقاء اللوم على الضحية يجعلنا أكثر أمانًا داخل عقولنا، ويقلل من مخاوفنا بشأن أخواتنا وزوجاتنا وأمهاتنا وبناتنا وأحبائنا الآخرين، فعندما نعتقد أن الاعتداء الجنسي خطأ الضحية لأنها كانت ترتدي فستانًا قصيرًا مثلًا، فهذا يخفف من قلقنا بشأن احتمالية حدوثه للأشخاص الذين نعرفهم ونحبهم لأنهم "بالطبع لن يقومون بذلك".
تعرفي على: 10 معوقات أمام نجاح السيدات في المجتمعات العربية
منة ليست الضحية الأولى
"في فيديوهات انتشرت ليا بالإكراه وضرب واغتصاب" هكذا قالت منة عبد العزيز – 17 عامًا في بث مباشر لها على مواقع التواصل الاجتماعي اتهمت فيه شخصًا يدعى مازن إبراهيم باغتصابها وتصويرها بالإكراه باتفاق مع بعض صديقاتها، وأتت ردود الأفعال صادمة على الفيديو الذي تظهر فيه الفتاة القاصر بملامح متورمة من آثار الضرب، فبدأ البعض بالتفتيش في حياتها وإلقاء المسئولية على ملابسها وتصرفاتها واعتبار الجريمة التي تعرضت لها "مستحقة".
وبعد ساعات من الهجوم والنقاشات المحتدمة، ظهرت منة في فيديو تقول أنه تصالحت مع المدعو مازن وأن ما حدث كان "سوء تفاهم"، لتزداد الاتهامات لها بالتزييف بحثًا عن الشهرة، ليأتي بيان النيابة العامة بعد القبض على أطراف الواقعة بأن آية المعروفة بمنة عبد العزيز قد تعرضت إلى هتك عرضها بالقوة والتهديد، وسرقتها بالإكراه، والضرب الذي أفضى إلى إصابات ظاهرة، وكذلك التهديد من أهل الجاني لنشر فيديو تنفي فيه ما حدث.
This is bullshit and that doesn't justify the fact that she got raped. even if a prostitute got raped its a crime stop this shit #حق_منه_عبدالعزيز pic.twitter.com/QzhtQ0K4u0
— omar shosha (@omarshosha30) May 23, 2020
حقيقة: الاغتصاب هو الإجبار على الممارسة الجنسية لشخص ما بدون رضاه، وذلك يشمل حتى الأزواج.
تأثير لوم الضحية
ندعونا نبدأ بهذه الإحصائية التي تقول أن 35% من النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي قد انتحرن، وذلك في دراسة أسترالية بعنوان (مدى انتشار العنف القائم على الجنس لدى النساء وعلاقته بالاضطرابات النفسية) منشورة بمجلة الجمعية الطبية الأمريكية عام 2011.. نعم العنف واللوم يدفع النساء للانتحار، وتلك تأثيرات لوم الضحية:
- الضحايا لا يبادرن للإبلاغ عن ما حدث لهم خوفًا من اللوم والعار، وعدم الإبلاغ يؤدي إلى عدم عقاب الجاني وبالتالي تكرار الجريمة مع أشخاص آخرين.
- الشعور بالذنب والعار الشخصي وبالتالي صعوبة التعافي من الآثار النفسية التي يمكن أن تصل بالضحية إلى الانتحار.
- التقليل من آثار جرائم الاعتداء الجنسي والعنف والتعامل معها كقضايا عادية قابلة للاختلاف في وجهات النظر، وهذا التهوين يخلق اعتيادية
- إعطاء مبررات للآخرين لتكرار الجريمة أو الإقدام عليها.
اقرئي أيضًا: قصص العبور الجنسي تواجه المجتمع وتعنت الاجراءات
حملة "مين الفلتان؟"
في لبنان، قامت مؤسسة أبعاد عام 2018، بحملة بعنوان "مين الفلتان" تطالب بمحاكمة مرتكبي جرائم الاغتصاب وتروج لرأي عام يقف مع الضحية بدلاً من التشهير بها، وقد قامت المؤسسة بنشر تجربة اجتماعية ظهرت فيها فتاة تُمثل أنها ضحية اغتصاب لمشاهدة ردود فعل الشارع، والتي جاءت كما هو متوقع تسخر من الفتاة وتسألها عن تعاطيها للكحول أو المخدرات، وتعلق على ملابسها أو تتهمها بالدعارة، أو تطلب منها السكوت كي لا "تفضح" نفسها وذلك رغم كونها في حالة انهيار شديدة ولا تعرف ماذا تفعل.. مقطع الفيديو جاء صادمًا للكثيرين ووضع المجتمع أمام نفسه ومثل قوة كبيرة للحملة.
كذلك استخدمت المؤسسة فن الجرافيتي لتصور على جدران الأبنية في بيروت وجوه مرتكبي الاغتصاب المزعومين، بحسب وصف ملامحهم من قبل ضحاياهم، في محاولة لتغيير المواقف تجاه جريمة الاغتصاب والاعتداءات الجنسية ككل.
حقيقة: التحرش الجنسي جريمة سببها المتحرش وحده وليس أي شيء آخر.
كيف تتعامل مع الضحية؟
- لا تطرح أسئلة اتهامية عن الملابس أو التصرفات وتأكد أنه لا يجب أن يكون هناك "الضحية المثالية" التي يبحث عنها البعض ليدعموها.
- امنح الضحية مساحتها للتعبير عن نفسها وتأكد من شعورها بالراحة والأمان قدر الإمكان.
- اظهر دعمك غير المشروط وأكد أن ما حدث لم يكن خطأها ولا يجب أن تشعر بالذنب تجاهه.
- اكد على أهمية الإبلاغ وأنه جزء أصيل من حقها لا يجب أن تفرط به.
ثقافة لوم الضحية يجب أن تتوقف ويتم توجيه المساءلة للجاني وحده ولا يوجد مبررات لجريمته، وفي كل الأحوال الاغتصاب والتحرش وكل أشكال العنف الجسدي والجنسي جرائم تقع مسؤوليتها على مرتكبها. تذكر عندما تركز على الضحية وتلومها أنك تمنح الجاني عذرًا لما فعل وتشجعه أو تشجع غيره على إتيان نفس الجريمة دون أن تشعر، وتضع مزيدًا من الضغط على الضحية بدلًا من مساعدتها.
اقرئي أيضًا:
8 أسباب تجعل النسوية ضرورة للمجتمع وليس رفاهية
الكاتب
ندى بديوي
الجمعة ٠٥ يونيو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا