8 أسباب تجعل النساء يخفن من الحديث عن الانتهاكات
الأكثر مشاهدة
عندما تتعرض أي منّا للانتهاك، في الغالب، تكون الرغبة الوحيدة هي "الاختفاء"، رغم أن الانتهاكات التي تنال من أجسادنا وحريتنا تجعلنا ضحايا، لكننا نشعر معها بأننا مذنبات، نريد أن نتدثر تحت الثرى وكأننا لم نولد قط، والأمر لا علاقة له بطبقة اجتماعية وثقافية معينة، فجميعنا يشعرنا الاعتداء بأنه ما كان ينبغي لنا أن نتواجد.
بات واضحا أن التعرض للنساء وانتهاك حرمة أجسادهن، أمر شائع للدرجة التي جعلت كثيرون لا يريدون تصديقه، وراغبين في أن تكون قصص النساء عن التعرض للاعتداء والاستغلال الجنسي مفبركة، حتى لا يفسد ذلك عالمهم المتخيل الجميل، ويحاولون بشتى الطرق أن يضعفوا مواقف النساء والفتيات حول العالم.
مع انتشار حملة Me Too (أنا أيضا) وانطلاق الهاشتاج الخاص بها في أكتوبر 2017 من جميع أنحاء العالم، الذي سردت الفتيات والسيدات قصص تعرضهن للتحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب، حاول البعض أن يفرغ هذه القصص من محتواها، ولشدة ثقل ما تحمله من تفاصيل مرعبة وتصديقها يجعل العالم قاسيا، قرر كثيرون أن الاستنكار هو الحل، وظهر سؤال "لماذا سكتت كل هؤلاء الفتيات والسيدات على الانتهاكات اللاتي تعرضن لها كل هذه المدة؟"
بعد هدوء هذه الموجة، ظهرت في مصر في الأيام القلية الماضية موجة أخرى، بعد ظهور قصص عن حالات تحرش واغتصاب واعتداء جنسي وصلت إلى ما يقرب من 100 حالة، ويتم اتهام شخص واحد فقط بها، وتوالت بعدها قصص أخرى عن الاغتصاب والتحرش في مصر والوطن العربي لفتيات ونساء مختلفات، فيعود السؤال من جديد للظهور "لماذا سكتن؟"
أسباب خوف السيدات من البوح بالانتهاك
نجيب هنا عن التساؤل الذي يراد به الباطل أكثر من الحق، ونوضح الأسباب التي يمكن أن تجبر المرأة على أن تبتلع شعورها بالهزيمة والانسحاق، وتقرر أن تتغاضى عن حقها، ففي كل مرة تعرضت فتاة للمسة شاب على ثديها وهي تعبر الطريق، ولمحاولة مديرها الاقتراب منها، ورغبة جارها في أن يواقعها دون رضاها، كانت تختار ألا تفصح عن الأمر.
تلك الأمور التي رأينا أنها تؤثر على رغبة النساء في الإفصاح عن الانتهاكات والتبليغ عنها:
1. الخوف من المجتمع
جميعنا نخشى رد الفعل، أن نقع يتم معاملتنا بطريقة عنيفة، أن نجد أهلنا (الأب أو الأم) يمنعونا من الخروج كطريقة للحماية، أو يبدأون في الشك بكل تصرف نقوم به، وأن يكون الغضب والانفعال والصياح هو أول رد فعل نواجهه، بدلا من الاحتضان والإنصات، وأن يقع الخطأ علينا، أو نشعر وكأننا جلبنا العار للعائلة التي كانت ترغب في حياة هادئة.
2. توجيه اللوم
"غلطتك.. ملابسك.. صوتك.. وجودك" كم مرة حدثت فيها حالة تحرش أو اغتصاب، ووجدنا أصواتا تقول "إيه اللي وداها هناك"، أو "كنتي لابسة إيه؟"، لينكر الجميع صرخة المرأة العالية الرافضة للانتهاك، ويبحث للجاني عن مبرر لفعلته، في انتصار لثقافة "لوم الضحية" التي باتت وسيلة لهدر الحقوق والتشنيع بالمجني عليهن.
3. التهوين
الاستهانة والتقليل من أثر النتهاك الذي تتعرض له الفتيات والنساء واحد من أمكثر الأمور المؤلمة نفسيا، والتي تجعل الإفصاح عن التعرض للأذى يبدو وكأنه محاولة لجذب الانتباه لأمر غير حقيقي. تفضل كل من تتعرض للانتهاك أن تصمت على أن يخبرها أحدهم "وإيه يعني.. مش للدرجة دي يعني"، لتحتفظ بألمها لنفسها أفضل على أن يعتبر أحدهم أن الأمر كـ "شكة دبوس" لا أثر له.
4. إهدار حقها
من الممكن أن تفكر كل فتاة وسيدة ألف مرة قبل أن تقرر الحديث عن الانتهاك الذي تعرضت له، خائفة أن تفقد القدرة على أن تنتصر لحقها، بسبب غياب معرفتها بالمساندة والأدوات التي يمكنها أن تساعدها، أو محاولة الجميع الضغط علىيها من أجل التنازل، فتقع تحت ضغط نفسي شديد الوطأة، يشككها في أنها قد تكون دقيقة في اتهامها، أو يجعلها تشعر بأنها مذنبة كونها ستتسبب في ضياع مستقبل المجني عليه، وغيرها من الضغوط المتعلقة بـ "الفضيحة وكلام الناس وسُمعتِك".
5. مزيد من الانتهاكات
عند البعض، تبدو جرأة المرأة وحديثها عن حقها ورغبتها في استعادته، طريقة للتمرد على وضع تسيطر فيه لنظرة الذكورية على كل شيء، والحديث يعني بالنسبة لأصحاب هذه النظرة رغبة في مزيد من الانتهاك والاعتداء، على اعتبار أن من تشكو وتعبر عن رفضها تريد أن يتعرض لها آخرون وكأنها تلفت الانتباه إلى وجودها، وهو مفهوم عقيم يتم تنشئة كثيرين عليه.
ومن منطلق هذا المفهوم، تخشى كثيرات أن يتم التعامل مع شكواهن والحديث عن الانتهاك الذي تتعرض له، ويعتبرها كثيرون فرصة لانتهاكها والتعرض لها دون خوف، وكأنه عقاب لها على جرأتها، وطريقة لتعجيزها قبل أن تنتزع حقها، أو تعريضها للابتزاز.
6. ألا يساندها القانون
رغم وضوح نصوص القوانين، التي تضع للمتحرش والمعتدي عقاب رادع، فغن الخوف ألا يتم تنفيذ القانون، أن يأتي حظها مع مسئول عن تنفيذ القانون يراها جانية، ويحمل معه نظرة المجتمع القاصرة التي تعتبر من تتحدث عن الانتهاك راغبة في المزيد منه، وتسعى للفضيحة، وترغب في التنكيل بالآخرين دون دليل، مما يعني أنها قد تواجه تهما بالتشهير أو صفات تنال من كرامتها، وكان ذلك شئعا بصورة أكبر قبل سنوات.
7. الخوف من الخسارة
تكلفة الإفصاح عن التعرض للانتهاك كبيرة، وقد تجد المرأة نفسها تتكلف الكثير جراء ذلك، كونها لا تضمن أن تجد الدعم والمساندة اللازمين، فحديثها عن التحرش في أماكن العمل قد يجعلها تخسر وظيفتها، أو تخسر سمعتها ويحاول المحيطون أن يعاملوها على أنها منبوذة، فتفقد الأصدقاء والجيران، ويتحول الأمر من ضرورة مساندتها إلى التخلي عنها.
8. الانتقام
إذا تخطت كل ذلك وتمكنت من الحكي والإفصاح وأصرت على تنفيذ القانون، وأودعت من اعتدى عليها السجن وأنزلت به العقوبة، من الممكن أن تخشى انتقامه، الذي قد يسعى إليه، أو محاولاته للتشهير بها، وقد ياتي الانتقام من أفراد أسرته والمحيطين به.
جميع هذه المخاوف ناتجة عن تجارب واقعية مرت بها فتيات وسيدات، ولكن هذا لا يعني مزيدا من الصمت، ولا يعيب المرأة، ولكنه يشير إلى ضرورة وجود ضمانات حقيقة تساندها وتدعمها في كل خطوة.
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ١٠ يوليو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا