المرأة الذكورية.. وكيف تساعد على انتهاك حقوق النساء
الأكثر مشاهدة
التغيير بالنسبة لكثيرين لا يبدو أمرا هينا، ومحاولة التخلص من وضع قائم والإتيان بظروف جديدة، حتى وإن كان في ذلك فرصة أفضل ومع حقيقة أن الوضع الفعلي مؤسف ومهين، لا يبدو هو الاختيار الأمثل للبعض. تخيل أن ترفض امرأة أن يكون لها المساواة في الحقوق، والقدرة على أن تتخلص من ضغوط مجتمعية وقيود لا مبرر لها سوى أنها "أنثى"، وتقف ضد المطالبة بالمزيد أو بالعدل، وتنتصر للذكورية والسلطة الأبوية.
المرأة الذكورية
ما نقصده بالذكورية، أو يمكن تسميته أيضا "النظام الأبوي"، أن يعمل المجتمع على الضغط على النساء، وممارسة سلطته على تصرفاتهن والتحكم في المسار الذي يردن اتخاذه في حياتهن، عن طريق مجموعة من السلوكيات والقيود التي يتم فرضها بشكل غير قانوني، ويكون أقرب للمتعارف عليه، وفي بعض الأحيان تُستخدم التشريعات أيضا.
أنتجت الذكورية عنفا ضد النساء، ممثل في اعتداءات جنسية وجسدية، تسييد شعور عام بأفضلية الرجال عن النساء، مما أفقد كثيرات الفرصة في حياة أفضل، والعمل على تكريس مجموعة من المفاهيم المغلوطة عن أدوار كل من النساء والرجال، ليبدو الوضع في النهاية سيدات تواجدن في الحياة لجعل حياة الرجال أفضل وأكثر أهمية ومنحهم سلطة لا يحق لهم امتلاكها.
ما أثبتته سنوات الدفاع عن حقوق النساء، أن الفكر الذكوري والسلطة التي يمارسها أمر لا يقتصر تبنيه على الرجال وحدهم، بل هناك كثير من النساء والسيدات اللاتي يعتبر أن السلطة التي يقوم بها الرجل هي حق أصيل، وأن لا مجال للمساواة، خاضعات تماما غير عابئات بأرقام ضحايا العنف المنزلي، رغم وصوله إلى سيدة من بين كل 3 سيدات، ويجدن دوما التبرير لهذه الأفعال، بل ويدافعن عنها.
من الممكن أن ما تفعله "المرأة الذكورية" من مساندة للهيمنة والتقييد، أمر غير مبرر، ولكن الأكثر فداحة، هو ما بدأ في الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، حيتنما أطلقت سيدة أمريكية لحملة ترفض النسوية، وتعتبرها "حركة سامة" في تحيذ واضح لسيطرة النظام الأبوي، واعتبار قبوله هو انتصار لوضع "طبيعي وضروري ولازم".
كانت الحملة، التي بدأت على تمبلر في يوليو 2013 وانتشرت بصورة مكثفة تحت هاشتاج #womenagainstfeminism، لها جذور تاريخية قديمة، فمع كل سعي من قِبل الحركات النسائية لاقتناص حقوقهن، كانت هناك فيئة كبيرة من السيدات تعارض وترفض، يشبهون في ذلك من يتوحد مع الجاني، ففي أوائل القرن العشرين، ومع المطالبة بحق المرأة في التصويت، ظهرت حركات نسائبة تناهض هذا الحق في عام 1908، وتعتبر أنه لا مكان لسيدة في مجال السياسة، وأن واجباتها تجاه المجتمع ستتأثر بمشاركتها.
المرأة الذكورية تنتهك حقوق النساء
وقياسا، يبدو أن هناك دوما سيدات مناهضات لحقوقهن، مع كل حركة تطالب بالمساواة، يكون الرد أحيانا أن الرجل والمرأة ليسوا متساويين بالفطرة، وأن مقومات الرجل أفضل، واعتباره الاقوى والأذكى أحيانا، وتصديق فكرة أن تلك هي الطبيعة البشرية، مانحات الذكور امتياز غير مبرر، ورغم بدائية هذا الفكر، ما زال يجد صدى وقبول.
المرأة الذكورية كذلك تعتبر أن المطالبات الحالية التي تنادي من أجلها الحركات النسائية "مبالغة"، وأن مشكلات المرأة ووضعها الاجتماعي ليس بهذا السوء، على العكس، ترى في محاولات منح النساء الحرية دون قيود وضوابط، فرصة مجانية لفساد المجتمع، وتعتبر أن ما تم تحقيقه للمرأة على مدار السنوات الماضية كافي.
لا تدرك "المرأة الذكورية" أن قبولها لوضع تسيطر فيه أفكار تعتبر أن المرأة كائن أقل، لا يمكنه أن يتخذ من القرارات ما يناسبه، ويضعه تحت هيمنته، واعتبار أن الرجل كونه "ذكر" له امتيازات وتصوير الأنثى ككان ضعيف وهش، يمكنه أن يضر بأجيال أخرى قادمة، ويفسد وضع قائم وحالي، ويجعل النساء أكثر عرضة لخسارة مزيد من الحقوق، وتحميلها بأعباء إضافية.
في حياتنا اليومية نقابل كثيرات من نماذج "المرأة الذكورية" التي بسبب خضوعها وقبولها للهيمنة والسلطة لأبوية ورفضها للتغيير، يمكن أن تتسبب في:
- التقليل من قدرات النساء وفقدهن الثقة بأنفسهن، فغالبا ما تجد على ألسنتهن أن النساء لا يستطع قبادة السيارة بشكل جيد، وأنهن فاشلات في أي عمل يقمن به، فهي لا تفضل الذهاب إلى طبيبة سيدة أو مهندسة، مما يهز ثقة أخريات في قدرتهن على أن يصبحن ما يسعين له، رغم وجود رائدات فضاء وعالمات فيزياء وصاحبات مشروعات صغيرة ومعيلات لأسرهن.
- اعتناق الفكر الذكوري يمنح الرجال امتيازات غير مبررة، فقط لاعتقاد سائد بأنهم أفضل وأكثر ذكاءا، مما يعني وجود كثير من الأشخاص الذيم لا يملكون الكفاءة في أماكن عمل ومناصب لا يستحقونها.
- إذا وجد الرجال أن هناك نساء راضيات وقانعات بما منحوهم إياه، سيعد ذلك ذريعة تُزيد من فرص الهجوم على الحركات النسائية واضطهادها، والتأثير على الفرص التي يمكن من خلالها نيل مزيد من الحقوق.. ليكون سبب ذلك هو نساء يشعرن ان الذكورية وهيمنة السلطة الأبوية ي منحهن الشعور بالأمان من تغيير قد لن يكن في قدرة على مجابهته، كما أنه يمنحهن القبول الاجتماعي- كما يعتقدن.
- الترسيخ لصورة ذهنية خاطئة وغير دقيقة عن النساء المطالبات بحقوقهن والرافضات للذكورية، فتتشكل موجة من السخرية منهن، واعتبارهن سيدات خفقن في أن يكون مثال أنثوي، فاخترن مناهضة الرجال، ويعد هذا إفساد لمحاولة خلق مساحة أكبر من المساواة بين الجميع، واختزال الأمر في كونه "خناقة" بين الرجال والنساء.
- انتصارهن للذكورية يزيد من أعداد النساء المتعرضات للعنف والاعتداء، سواء في الأماكن العامة ومقرات العمل، وحتى داخل المنازل، لتكون دوما هي الملامة في كل الأحوال، ليكون الشعار هو "إيه اللي وداها هناك" الذي يلقي باللوم على الضحية، وينتصر للذكورية باعتبار أن انتهاكات الرجال رد فعل، غير مدركات أن الصمت لن يحل الامر، وان النساء غير مسئولات عن ضبط المتجاوزين لغضبهم وشهواتهم
- تنشئة أجيال تعتبر أن الرجل هو الصورة المثالية للإنسان، وأن المراة بالتأكيد كائن أقل الهدف من وجوده إسعاد الرجل الحزين.
- حرمان النساء حتى من الحقوق الشرعية والقانونية، كحق الميراث، الذب ما زالت سيدات في أنحاء مصر والبلاد العربية غير قادرات على الحصول عليه، ويبدو مطالبتها أمرا مستنكرا وغير مرحب به، بل يعد تجاوز منها.
- إفلات كثير من المجرمين من العقاب، رجال متحرشين، وأزواج عنيفين، وآباء قاسيين، وهوما يعني زيادة أكبر لنسب الجريمة.
تخلصوا من فكر المرأة الذكورية لنتمكن من العيش في مجتمع يراعي الاختلاف ويقدم مساحات أكبر من الحرية والمساواة، ويراعي وجود المرأة ويحترمه ويصون حقوقها.
الكاتب
احكي
الجمعة ١٤ أغسطس ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا