التروما النفسية بعد الاعتاءات الجنسية.. والتعامل معها
الأكثر مشاهدة
لن يكون سهلا أن يمر الأمر دون جروح نفسية وجسدية أيضا، من الصعب أن تتجاهلين شعورك بالغضب والحزن والقلق وحتى الذنب، ولن تغفري كيف كنتِ مستباحة للجميع إلى هذه الدرجة، تلقين باللوم عليهم وتعودين لتنهشي روحك وتعتبريها المخطئة، قد تتذكرين الموقف وتعيدينه مرات ومرات داخل عقلك، أو تشعرين بالألم دون مبرر، لكن يبقى سؤال واحد.. ألم يكفي ما حدث، إلى متى تستمر هذه التعاسة؟
الصدمة النفسية
بعد أن يمر الإنسان بأحداث وقعها كبير وسيء على نفسه، ويشعر كأنه اختبر الموت واقترب من الخطر، من الممكن أن يُصاب بالتروما النفسة، وتعرض الفتيات والسيدات للاعتداءات الجنسية والجسدية من تحرش واغتصاب وعنف يعتبر واحد من التجارب القاسية المسببة للصدمات والجروح النفسية، والتي يبدو أن التعامل معها والتخلص منها صعب ويحتاج إلى مساندة من المحيطين ومساعدة من متخصص، ويتم تعريقها على انها اضطراب ما بعد الصدمة
يعد اضطراب ما بعد الصدمة Post-Traumatic Stress Disorder (PTSD) في التعريف العلمي له هو حالة صحية عقلية تأتي بعد التعرض لموقف شديد الخطورة ويصيب في نفسك الرعب، أو قد تكون شاهدت الموقف بنفسك، مثل محاولات السرقة أو مشاهد الاعتداءات والتعذيب، أو التعرض لحادثة أو سجن تعسفي، وقد تكون الصدمة فقدان عزيز، أو بعد التعرض لحوادث كبرى كالانفجارات والحروب.
ليس كل المتعرضين للصدمات يتأثرون بنفس الدرجة، أحيانا قد يتمكن الشخص من التخلص من مشاعر الصدمة مع الوقت، بينما قد ترافق آخرون لمدة أطول وقد يحتاج هؤلاء إلى مساندة ودعم من متخصص ومعالج نفسي، فيشعرون بعد التعرض للصدمة بحالة نفسية عميقة الأثر، وتتغلب عليهم مشاعر الحزن والاكتئاب والقلق والخوف إلى جانب الشعور بالذنب، مع إحساس دائم بالخطر يزيد من معدلات التوتر.
التحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب من أكثر التجارب المؤلمة، والتي يصعب التعامل معها والتعايش بعدها بصورة طبيعية، ففي ظل مجتمع يجبرك على أن تشعرين بالذنب وينفي عنك حقك في الغضب واتخاذ موقف والرفض، وبل ويلقي باللوم عليك، بالتأكيد، ستكون التجربة أكثر صعوبة، ولذلك على كل المتضررات أن يجدن طريقهن للخلاص.
تروما الاعتداء الجنسي
الشعور بأن جسدك منتهك دون أن تملكين أية فرصة للصراخ، تتراجعين في كل مرة تصرحين بها، غالبا يعني ذلك أنك ما زلتِ تتعرضين للصدمة، وما زالت آثارها تغرقك، فالتحرش الجنسي والاغتصاب قد يمر على وقوعه وقت طويل قبل أن تقرر إحداهن أن تبوح عن ما بداخلها، بعد أنتكون قد تخلصت من مرحلة الإنكار.
لاحظنا في الفترة الأخيرة، ومع بداية حملات القبض على متحرشين ومغتصبين وفضح ممارساتهم، ظهور قصص مختلفة من بنات وسيدات بأعمار متباينة عن محاولات للتحرش بهن واغتصابهن في محيط العائلة أو في مقر العمل، او خلال مشاوير يومية في الشوارع العامة، ليفاجئهن سؤال "وبتتكلموا دلوقتي ليه؟".
لم يلتفت أصحاب السؤال إلى أن التحرش صار بالنسبة لكثيرات مشهد يومي يتعرضن له، وأغفلن أن الصدمة قد تعيق القدرة على التعبير والحكي والبحث عن حل للخروج من هذه الغيمة، والاستمرار مع مشاعر القلق والخوف والاكتئاب.. ويمكن تفصيل مراحل اضطراب ما بعد الصدمة إلى:
التأثير
تعد تلك المرحلة الأولى التي تتبع التعرض للصدمة، فبعد التعرض لاعتداء جنسي، وتبعا لدرجة شدته وطلبعة الفتاة او السيدة التي تتعرض له، قد تطول أو تقصر مدة هذه المرحلة، والتي غالبا ما تأتي في شكل مجموعة من الأعراض كالخوف، والشعور بالعجز والذنب، إلى جانب القلق الشديد واليقظة المفرطة.
التأقلم
فور أن تدرك الفتاة أنها لا تملك ما يمكنها أن تفعله تجاه ما حدث (ففي الغالب أن هذا ما تعتقده)، تحاول أن تتعامل مع الأمر وتتأقلم على الحياة بعد حدوثه، وتعيش مرحلة من الإنكار معتبرة أنها تتعافي من الأمر، غير مدركة انها تزيد من تأثيره سوءا، ومن أعراض هذه المرحلة، الإنكار ومحاولة تجاهل ما حدث، والشك في أنها قد تكون مبالغة، أو الوقوع في نوبات من الذكريات والفلاش باكس والصور، وقد تأتي في هيئة مشاعر دون صور، فتشعر بالألم الجسدي أو النفسي الذي تعرضت له حينها، مع مرافقة الكوابيس المزعجة لنومها، غير مشاعر الإحباط واليأس والغضب الملازمة لها.
بدء التعود
تستمر المحاولات من أجل العودة إلى الحياة العادية وممارسة أبسط الأمور العادية دون شعور بالقلق والخوف وانعدام الأمان، وقد تكون تلك المرحلة بدء للتعافي بالفعل، إذا كنتِ محاطة بأشخاص داعمين ومحبين، ولا يمنع وجودهم من شعورك في كثير من الأوقات بالإجهاد وعدم الرغبة في الحديث، أو الذنب لنكران الجميل كونهم مساندين كِ، وهو ما عليك تخطيه.
أو تشعرين بخيبة أمل في كل من حولك، ويتملكك الشعور بالوحدة، كونك غير قادرة على فيجاد من يساندك، فتواجهين وحدك المخاوف وتتعاملين مع الأمر دون أن تجدين استجابة من أحد، وتستمر اضطرابات النوم وأعراض التعب والإجهاد.
الاستمرار
النضال اليومي مع هذه المشاعر، إلى جانب الرغبة في التخلص من القلق والخوف الكآبة، ومحاولة التفكير في المستقبل وما يمكن أن يبدو عليه في الأيام والسنوات القادمة، وغالبا ما يكون الاستياء والخوف والاكتئاب هم المشاعر المصاحبة لكل خطوة.
ويمكن تلخيص أعراض هذه المراحل في الشعور بـ:
توالي ذكريات من الحادث وكأنك تتعرضين لنفس الموقف مجددا، وقد تأتي الذكريات في شكل مشاعر الألم الجسدي والنفسي الذي اختبرتيه وقتها.
- ورود كوابيس عن الحادث أو كوابيس أخرى عامة مزعجة.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية المعتادة.
- عدم القدرة على الاشتباك الفعلي مع أي حدث خلال اليوم (اللامبالاة).
- التعرض أحيانا لفقدان في الذاكرة، ونسيان تفاصيل الحادث.
- محاولة تجنب أي موقف أو أشخاص قد يثيروا ذكريات الحادث أو الاعتداء.
- تخبط التفكير مع هجوم شديد من الأفكار السلبية عن نفسك.
- جلد الذات وتأنيب النفس، وإغراقها في الشعور بالذنب.
- الصداع.
- الشعور بالتعب والإجهاد.
- تسارع نبضات القلب.
- فقدان القدرة على التركيز أحيانا.
- الإغماء والدوار مع الدوخة.
- الشعور الدائم بالخطر والخوف
- من الممكن حدوث نوبات غضب وسلوك عدواني تجاه الآخرين.
- اضطرابت في النوم.
ما هو وقت الخطر؟
من الممكن أن تختفي هذه الأعراض تدريجيا، مع إحاطة الفتاة أو السيدة التي تعرضت للاعتداء بالدعم النفسي والمعنوي والمادي، بالاستماع إليها وقت ما تريد، وعرض كل الخيارات المتاحة التي يمكنها اللجوء لها، وما يمكن أن يساعدها في الوقت الحالي، من الإبلاغ واتخاذ الإجراءات القانونية، وكذلك جلسات الحكي والدعم النفسي، مع منحها مساحتها الخاصة وحرية الاختيار دوما.
يبدأ الأمر يمثل خطرا عندما تسيطر عليها الأفكار الانتحارية والرغبة في التخلص من حياتها، وهنا يعني ضرورة الذهاب إلى مختص ومعالج نفسي والمتابعة معه، وقد تكون في حاجة إلى علاج معرفي سلوكي يشجعها على التخلص من الصجمة بالحديث عنها ووضع اثرها في الحجم المناسب، كما يمكن لمجموعات الدعم والمشاركة أن يكون لها دورا فعالا، مع اللجوء للأدوية ومضادات الاكتئاب والقلق.
لا تستهينوا بحوادث التحرش والاعتداءت الجنسية وآثارها، حتى لا تكتشفون أنكم متاثرين بصدمتها لسنوات طويلة دون تخطي أو تجاوز.
الكاتب
احكي
الجمعة ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا