فتيات التيك توك.. السجن من أجل ”قيم الأسرة المصرية”
الأكثر مشاهدة
منذ شهر أبريل الماضي وفتيات التيك توك، أو المؤثرات على التطبيق الشهير، جزء مهم من أحاديث المجتمع المصري، وذلك بعدما تم إلقاء القبض على عدد منهن بدعوى التحريض على الفسق والفجور والإضرار بقيم الأسرة المصرية، وقد وصل الأمر إلى الحكم على عدد منهن بالسجن والغرامة، وتضمنت القضية الحديث عن كشف عذرية لواحدة منهن, وخلقت نقاشًا واختلافًا مجتمعي كبير حول مفاهيم الحرية وإساءة استخدام الإنترنت، وما هي قيم الأسرة المصرية التي تم التعدي عليها من الأساس؟.
بداية قضية فتيات التيك توك
البداية كانت من عند حنين حسام، التي يتابعها حوالي 1.2 مليون شخص على موقع تيك توك، والتي تشارك جمهورها إطلالاتها وبعض مقاطع الفيديو الراقصة وكثير من التقليد، لكن الأزمة كانت حينما نشرت حنين مقطع ترويجي لتطبيق آخر يدعى Likee، وفيه يمكن للمستخدم الحصول على أموال كلما زاد عدد متابعيه أيا كان المحتوى الذي يقدمه، وقالت خنين في الفيديو أنها تطلب فتيات أكبر من 18 عامًا ليعملن معها على هذا التطبيق، ويمكنهن الحصول على أموال مقابل ذلك وحذرت من أي تجاوزات: " "قعدتنا في البيت جت بالخراب علينا. ناس كتير أشغالها تعطلت. ناس كتيرة عندها مشاكل مادية الفترة دي. عشان كدة عملت وكالة على لايكي - أنا عايزة جروب بنات. بس أي شاب هيدخل عشان يعمل مشكلة أو يضايق هتشوفوا بعنيكوا هيحصل إيه. ده أكل عيش فماتكونش أنت سبب في أذى حد".
لكن العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميين شنوا هجوم قوي على حنين واعتبروا محتوى الفيديو اتجار بالبشر ونوع من الدعارة، وأنها تستقطب الفتيات صغيرات السن ليتحدثن مع الشباب والرجال في مقابل الحصول على المال. بعدها تم إلقاء القبض عليها في21 أبريل الماضي، لقيامها "ببث فيديو للتحريض فيه على الفسق والفجور"، ثم قرر الدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، إحالة حنين الطالبة بكلية الآثار، إلى التحقيقات بالجامعة، لقيامها بـ"سلوكيات تتنافى مع الآداب العامة والقيم والتقاليد الجامعية".
وبعدما تم حبسها على ذمة التحقيقات في اتهامها على خلفية اتهامها بـ"الاتجار في البشر" و"التحريض على الفسق والفجور، أنكرت حنين التهم الموجهة إليها وقالت أنها اشترطت أن تكون أعمارهن أكثر من 18 سنة، وأن يكن لديهن مواهب في المكياج أو الطبخ أو العزف أو الغناء، وأن تتعاقد معهن الشركة بعد موافقة أولياء أمورهن أولًا.
هل يجوز أن يكون منظر مصر أمام الصحافية العالمية كلها دلوقتي أنها بتحبس فتيات علشان عملوا فيديوهات على تيك توك ولسة ماتحركتش أمام حفنة من المغتصبين الساديين لإن عندهم "ظهر".
— Amr Salama (@amrmsalama) August 1, 2020
ده مابيعتبرش برضه تشويه لسمعة مصر؟
ورغم إخلاء سبيلها بكفالة 50 ألف جنيه، تم قبول استئناف النيابة واستمر حبس حنين 15 يومًا على ذمة التحقيقات، ثم أخُلي سبيلها مرة أخرى بكفالة 10 آلاف جنيه، قبل أن يتم تجديد حبسها للمرة الثانية في الحادي عشر من يونيو الماضي ويتم اتهامها هذه المرة بتهمة الاعتداء على قيم الأسرة المصرية.
وفي نفس الفترة تم إلقاء القبض على مؤثرة أخرى هي مودة الأدهم، التي يتابعها حوالي 3 مليون شخص على تيك توك، في مايو الماضي، بسبب نشرها سلسلة من المقاطع المصورة ظهرت في بعضها وهي ترقص على نغمات الأغاني الشهيرة، وهو ما اعتبرته النيابة العامة المصرية خدشًا للحياء، وأمرت بالقبض عليها مع آخريات يقمن بنشاط مماثل وصل عددهن لحوالي 10 فتيات.
حكم بالسجن والغرامة
فيما أصدرت المحكمة الاقتصادية المصرية في 27 يوليو الماضي حكمًا أوليًا بالحبس والغرامة على خمسة فتيات، بينهن حنين حسام ومودة الأدهم، بالحبس عامين وغرامة تقدر بـ 300 ألف جنيه، بتهم "الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية وإدارة وإنشاء مواقع على شبكة معلوماتية بهدف ارتكاب جريمة".
وفور النطق بالحكم دخلت حنين في نوبة بكاء بينما سقطت مودة مغشيًا عليها، حسب تصريحات محامي الأخيرة أخبرنا أحمد البحقيري، والذي وصف الاتهامات في حديثه لبي بي سي أنها "هلامية للغاية"، واعتبر السجن ليس الحل في هذه القضايا لأن "السجن يخلق مجرما. فاحتجاز فتاة في مثل هذه السن الصغيرة وسط مجرمين أمر كارثي. حتى وإن كان بعض ما نشرته من مقاطع مصورة يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا، فمن الممكن اللجوء لمراكز تأهيل بدلا من السجن".
وقد استند حكم المحكمة على القانون (رقم 180) لسنة 2018، الذي يمنح المجلس الأعلى للإعلام حق الوصاية على مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها خمسة آلاف أو أكثر، وأعطاه الحق في حجب أو حذف أي حساب على موقع التواصل الاجتماعي وإحالة صاحبه إلى النيابة العامة، إذا قام بنشر أو بث خبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو يتضمن طعنا في أعراض الأفراد أو سبا أو قذفا لهم أو أمتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية أو يخالف النظام العام أو الآداب العامة. وكذلك قانون جرائم تقنية المعلومات (رقم 175) لسنة 2018 الذي يعاقب بالحبس (مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين)، لكل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري.
بعد إذن الأسرة المصرية
وأشعل الحكم على هؤلاء الفتيات مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ جدل واسع بين مؤيد للحكم ومعارضًا له، وأُثيرت موجة سخرية واسعة من جملة "قيم الأسرة المصرية" التي وردت في حيثيات الحكم الصادر والتي اعتبرها كثيرون تتناقد مع الزيادة الكبيرة التي تشهدها حوادث العنف ضد المرأة والتحرش وختان الإناث. كما شهدت تلك المواقع نقاشًا واسعًا حول الحريات الشخصية وحماية النساء وحقهن في أجسادهن، واعتبر البعض التهم الموجهة لتلك الفتيات فضفاضة ولا يوجد جريمة حقيقية.
وقد أطلقت الفنانة الشابة سارة عبد الرحمن هاشتاج #بعد_إذن_الأسرة_المصرية للحديث عن قضية فتيات التيك توك والتذكير بهم والمطالبة بخروجهم من السجن وكتبت على حسابها بموقع إنستجرام قائلة: "من النهاردة ولمدة أسبوع هاننزل صورة كل يوم لواحدة فيهم عشان نفكر الناس بيهم ونقول إن من حقهم يكونوا أحرار مش في السجن..خدوا البوست كوبي بيست وانشروه على صفحاتكم لو أنتوا كمان شايفين أن مكانهم مش السجن.. #بعد_إذن_الأسرة_المصرية”، وبعدها تفاعل معها عدد كبير من المستخدمين.
Mawada El-Adham is one of at least 9 female #TikTok influencers arrested in #Egyp since April and charged with “violating family values. She has 3.1 million followers on TikTok. Last week she was sentenced to 2yrs in prison and a 300k ($19k) fine. #بعد_اذن_الاسرة_المصرية pic.twitter.com/aTgysjhBn2
— Mona Eltahawy (@monaeltahawy) August 3, 2020
وعلى الجانب الآخر، علق الداعية عبد الله رشدي على الحكم عبر حسابه على فيسبوك قائلًا: "أصدر القضاء حكمًا تاريخيًا وهو الحبس لبعض فتيات التيك توك لينتبه الأهل لأولادهم وبناتهم وشَرَفِهم، وليرتدعَ مثيرو الفساد والشهواتِ، بالمناسبة.. ونرجو المزيد من هذه الأحكام الرادعة لكل من تسول لهم أنفسهم إشاعة الفواحش في مجتمعنا المصريِّ الأصيل" لتتباين ردود فعل المتابعين بين مؤيدين داعمين للأحكام التي اعتبروها انتصارًا للأخلاق والقيم، وآخرين هاجموه بشدة وذكّروه بموقفه من اللاعب عمرو وردة حينما تم اتهامه بالتحرش بعدد من الفتيات، ووقتها وقف الشيخ بجواره وطالب بمنحه فرصة أخرى لأنه لا يوجد شخص أكبر من الخطأ، وهو ما اعتبره المتابعين تناقضًا.
١-أصدر القضاء حكماً تاريخياً وهو الحبس لبعض فتيات التيك توك لينتبه الأهل لأولادهم وبناتهم وشَرَفِهم، وليرتدعَ مثيرو الفساد والشهواتِ، وبالمناسبة فكل ما يحض على نشر الفواحش يجب منعُه وليس فقط بنات التك توك..فالمعصية شيءٌ والمجاهرَةُ بها وإشاعتُها شيءٌ آخر تماماً..
— عبدالله رشدي (@abdullahrushdy) July 27, 2020
عبد الله رشدي وهو بيتكلم عن بنات التيك توك
— #StayHome (@Baher) July 29, 2020
Vs
عبد الله رشدي وهو بيتكلم عن عمرو وردة pic.twitter.com/KjQNpOxrct
فيما أكدت نهاد أبو القمصان، رئيسة المجلس المصري لحقوق المرأة، تحفظها على الحكم مؤكدة أنه "حكم قاس". وقالت أبو القمصان في تصريحات لـDW أنه بالرغم من تحفظها على المادة المنشورة على التيك توك واعتبارها بدون مضمون تربوي إلا أن الحكم الصادر يعتبر قاسيًا. كما أرجعت سببه إلى المادة 26 من قانون الاتصال المصري المطبق منذ عام 2018 والذي اعتبرت نصه "فضفاضًا".
وحتى الآن ما تزال القضية قائمة، والنقاش مستمر حول المحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيره على المستخدمين، وهل قيم الأسرة المصرية شيء يمكن قياسه والحكم بالحبس ضد من يتعدى عليه؟ شاركنا برأيك في التعليقات.
اقرئي أيضًا:
الكاتب
ندى بديوي
الأربعاء ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا