نظرة النساء لأجسادهن ومطاردة سراب المثالية
الأكثر مشاهدة
تقف أمام المرآة لتتأمل جسدها، تنظر إلى الخطوط البيضاء بحزن وتفحص منحنيات جسدها بعدم رضا، لا يعجبها شكلها ككل، ودائمًا ما تقارنه بما تراه عندما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تتردد كثيرًا عند اختيار الملابس وتأخذ وقتًا طويلًا لتقرر أي صورة يمكن أن تشاركها متابعيها على إنستجرام، وتركز على تلك التي تخفي أكبر قدر من العيوب التي تراها في نفسها. غالبًا لا يوجد امرأة لم تمر بتلك الأفكار، إلا المحظوظات اللاتي تعلمن حب أنفسهن، فكثيرات منا يقعن أسيرات لنظرة الآخرين ومعايير الجمال والثقافة الاستهلاكية التي تحكم عالمنا وتجعلنا دائمًا غير راضيات عن أجسادنا ولاهثات نحو مطاردة سراب الكمال والمثالية. تواصل النساء مع أجسادهن ليس أمرًا هامشيًا، فهو ذو تأثير مباشر على تقبل الذات ومنه ينعكس على الصحة النفسية والثقة في النفس وعيش حياة صحية ككل. نعلم أن الرضا عن الجسم مشكلة عالمية تمر بها أغلب النساء على مستوى العالم، لكن ما يزيدها سوء في مجتمعاتنا العربية والشرقية، سيطرة ثقافة العيب على عقولنا، وخصوصًا أنها تعتبر جسم الأنثى منطقة محرمة ممنوع الحديث عنها أو فهمها، وفي نفس الوقت يجب عليكِ كأنثى شرقية أن تقابلي معايير المجتمع الجمالية وتحظين ببشرة براقة وجسد ممشوق ومشدود لكن بدون أن تلفتي الانتباه له وبدون أن تعرفي عنه حقيقةَ. دعونا نتحدث أكثر عن الأمر.
الخجل من الجسم والإيجابية تجاهه
"من صغري وأنا بتعرض للتنمر بسبب وزني الزايد، وكل التحرشات والمعاكسات كانت على جسمي قد ايه تخين ووحش. فضلت كارهة جسمي وبحاول أخس طول الوقت مش عشان صحتي، بس عشان أقبل شكل جسمي وأشوف نفسي حلوة." جزء من قصة وصلت لاحكي على استمارة #حبي _جسمك
هناك فرق بين الـbody shaming أو العار من الجسم وهو مصطلح يعرّف على أنه إهانة شخص من خلال الإدلاء بتعليقات ساخرة أو انتقادية حول شكل جسمه أو حجمه وهو نوع من التنمر الذي يمارسه الآخرين. أما إيجابية الجسم أو body positivity فهي حركة اجتماعية تم إنشاؤها في البداية الأشخاص ذوي الوزن الزائد من الرجال والنساء، مع تحدي الطرق التي ينظر بها المجتمع إليهم. لكن المفهوم تطور حاليًا وأصبح يدعو إلى قبول جميع الأجساد بغض النظر عن القدرة الجسدية أو الحجم أو الجنس أو العرق أو المظهر، ويشجع الأشخاص ذاتهم على تقبل أنفسهم من دواخلهم وبدون النظر إلى ما يراه المجتمع أو الناس، والتخلي عن الأحكام والقوالب المسماة بـ"معايير الجمال".
"لحد ما كبرت وبدأت أحبني بكل حاجة فيا. وأبقى ممتنة لجسمي لأنه مع زيادة وزنه فهو محافظ على صحته. قررت أحب شكلي، وأشوفني حلوة وسكسي وكيرڤي، وأحب كل تفصيلة فيه وكل علامة أو سترتش مارك. بقيت ألبس فساتين وأنا واثقة في نفسي أن شكلهم حلو عليا وبدأت كمان الناس تشوفني حلوة. ساعتها اتأكدت إن الناس متستاهلش أى درجة من الاهتمام برأيهم." تكملة القصة السابقة.
الصورة الذاتية ولماذا نكره أجسامنا؟
عندما أتابع برامج تلفزيونية من فترة الثمانينات والتسعينات أجد المشاهير يشبهون الناس العاديين، ملابس بسيطة وملامح طبيعية ولا وجود لعمليات التجميل، أما الآن الأمر أصبح مختلفًا تمامًا، فمستحضرات التجميل جزءًا رئيسيًا في حياة الجميع وعمليات التجميع متوفرة على نطاق واسع واستخدام المؤثرات وبرامج تعديل الصور لم يعد هناك غنى عنها، وهذا ليس حكرًا على المشاهير بالطبع.. لماذا يحدث ذلك؟ لأن هناك صورة ذهنية خلقتها الإعلانات والقائميين على الشركات العالمية للعب على وتر الجمال وخلق حاجة لشراء تلك منتجاتهم، فأنتِ دائمًا بحاجة للحصول على بشرة خالية من العيوب مثل هذه النجمة، ويجب أن يكون جسمك مشدود تلك اليوتيوبر أو المدونة، وهكذا.
الجمال في حد ذاته ليس به ما يعيب والاهتمام بالنفس شيء إيجابي بكل تأكيد، ولقد طارد البشر الجمال منذ آلاف السنين، وحملت الثقافات في كل عصر وسائل لا تعد ولا تحصى تجميلية، من مستحضرات التجميل الرصاصية السامة في الماضي إلى حقن البوتوكس اليوم. لكن المشكلة تبدأ حينما يصبح الأمر هوسًا ينغص حياة النساء ويجعلهن دائمات البحث عن مثالية غير موجودة في الأساس.
والنظرة الدونية للذات وتكوين صورة ذاتية سلبية يأتي من التركيز على العيوب، ونحن نكره أجسادنا لأننا نحكم على أنفسنا باستمرار، كل ما نفعله أو نقوله وبالتأكيد كيف نبدو، ليس جيدًا بما فيه الكفاية بالنسبة لنا. ونظرًا لوجود وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان، فمن الصعب عدم مقارنة أنفسنا بصور الأشخاص الذين يبدون دائمًا في حالة جيدة ومرتاحة وعلى وجوههن ابتسامة كبيرة.. لكن هل تلك هي الحقيقة؟ الإجابة لا، لأننا بلا استثناء ننشر لحظاتنا السعيدة فقط –على الأغلب- على موقع مثل انستجرام، وبالتالي تصبحين أنتِ كشخص يتصفح المحتوى معرضة فقط إلى اللحظات السعيدة في حياة الآخرين، إلى الصور التي اختاروها بعناية، وإلى الذكاء الاصطناعي الذي يحسن من الشكل، وعندها تبدأين في مقارنة نفسك بالآخرين، ويتم تحفيز عدم الرضا عن الذات من هنا وتبدأين في سؤال نفسك: لماذا لست مثل هؤلاء؟.
كشفت دراسة أجرتها مؤسسة فلوريدا هاوس إكسبيرينس للرعاية الصحية، أن كلا من النساء والرجال يقارنون أجسادهم بما يتابعونه على مواقع التواصل الاجتماعي. شمل الاستطلاع ألف رجل وامرأة وركز على أجسادهم وثقتهم فيها، ووجد أن 87٪ من النساء و 65٪ من الرجال يقارنون أجسادهم بالصور التي يشاهدونها على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي.
"المشكلة في تثبيت معنى الجمال وده عشان الصور المثالية اللي بنتعرضلها طول الوقت، لازم تكوني رفيعة وجسمك مشدود وبشرتك بتلمع ولسه نازلة من الكتالوج." جزء من قصة وصلت لاحكي على استمارة #حبي _جسمك
وفي دراسة نُشرت عام 2018، طلبت جينيفر ميلز، الأستاذة المساعدة في جامعة يورك في تورنتو-كندا، من الطالبات الجامعيات التقاط صورة سيلفي ومشاركتها على Facebook أو Instagram. وقسمت الطالبات لمجموعتين، إحداهما كان بإمكان المشاركات فيها التقاط صورة واحدة فقط وتحميلها دون تعديلات، بينما يمكن للمجموعة الأخرى التقاط أكبر عدد ممكن من الصور وتنقيحها وتعديلها باستخدام أحد التطبيقات.
وجدت ميلز وزملاؤها أن جميع من التقطن الصور الشخصية شعروا بأنهم أقل جاذبية وأقل ثقة بعد النشر مما كانوا عليه عندما شاركوا في التجربة - حتى أولئك الذين سُمح لهم بتعديل صورهم وفقًا لما يريدون. وتقول: "على الرغم من أنهن استطعن جعل النتيجة النهائية تبدو" أفضل "، كن ما زالن يركزن على الجوانب التي لا تعجبهن في مظهرهن".
فخ الثقافة الاستهلاكية
يبدو أن الثقة بالنفس واحترام الذات ليس جيدًا للنمو الاقتصادي، فنحن نشتري عندما نشعر بعدم الأمان وتنشط لدينا المخاوف الشخصية. ولأن الرغبة في الانتماء هي طبيعة بشرية، ونحن نحب أن نكون مقبولين اجتماعيًا أكثر، فالمعلنين يذكرونا طوال اليوم بأننا لسنا مكتملين أو جميلين أو ممتعين أو محبوبين بدون أي شيء يبيعونه مستخدمين الاستراتيجيات التسويقية التي تلعب على نقاط الضعف لدينا وتخلق حاجات وهمية وتمنحنا تخيلات أن حياتنا ستصبح أفضل لو اشترينا هذا المنتج أو ذاك، وبالتالي ندخل هذا الفخ ولا نكتفي أبدًا من الشراء ودائمًا نبحث عن المزيد مدفوعين ما نتعرض له من دعايات بشكل مباشر وغير مباشر.
"أنا ابتديت أحب عيوبي دي وبينها وافتخر بيها كمان. احنا بنتولد بنحب نفسنا جدًا، لكن الناس هم اللي بيخلونا نشوف عيوب ممكن متكونش موجودة أصلًا. الحل أننا نحب نفسنا مهما كانت" جزء من قصة وصلت لاحكي على استمارة #حبي _جسمك
الجانب الإيجابي للسوشيال ميديا
الصورة ليست قاتمًا تمامًا، وكما تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي سلبًا، فإن لها تأثيرات إيجابية أيضًا، فيمكن أن تكون حسابات الصحة واللياقة والتغذية نماذج ملهمة لبعض المستخدمين، كما أن هناك منصات أخرى تعرف النساء أكثر على أجسامهن وما هي الطرق اللاتي تساعدهن على تقبل الذات وزيادة الثقة بالنفس.
وقد قدمت منظمة Eating Disorder Hope بالتفصيل كيف يمكن أن تفيد وسائل التواصل الاجتماعي الطريقة التي تشعر بها النساء تجاه أجسادهن، وقالوا إن حركة إيجابية الجسم على الإنترنت قد خلقت فهمًا أكثر ومساحة للتعرف على جميع أنواع الجسم.
رحلة التواصل مع الجسم وتقبل الذات ليست سهلة، وتحكمها فترات ارتفاع وانخفاض، لكنها تجربة لا بد لكل امرأة أن تخوضها، لمحاولة التعرف على جسمها والتواصل معه وتقبله وبكل تأكيد سينعكس ذلك على رضاها عن نفسها وثقتها الذاتية.
اقرئي أيضًا:
الكاتب
ندى بديوي
الخميس ١٠ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا