أجيال تعاني ومجتمع غير واعي بإساءة معاملة الأطفال
الأكثر مشاهدة
من السهل أن تبكينا دموع الأطفال ومعاناتهم، نعتبرهم الحلقة الاضعف دوما والأكثر تأثرا بالأحداث والمواقف البسيطة الشغيرة وحتى الصراعات الكبرى والحروب والكوارث، نرى طفلا تعنفه والدته في المواصلات دون مبرر، ننزعج وتغلبنا الرغبة في إنقاذه، وبعد أن بتنا ندرك مدى قسوة الحياة والواقع الذي نعيشه، صرنا نفكر مرة واثنتين وعشرة في إنجاب الأطفال، متسائلين عن قدرتنا على حمايتهم وتربيتهم بصورة صحية سليمة.
كم مرة شاهدت طفلا عنيفا وقاسيا، وتسائلت عن السبب؟ أو رأيت فتاة خائفة تتردد قبل الحديث، ويمكن للكلمات العادية أن تكسرها بعد أن فقدت ثقتها بنفسها، وأردت أن تعرف لماذا؟ الحقيقة أن الإجابة تبدأ من المنزل أو البيئة التي نشأ بها هولاء الأطفال، هل احتوتهم أم زرعت بداخلهم الشكوك، ولغمت مشاعرهم بتعقيدات أكبر.
"ما أنتوا اتربيتوا كده.. محصلش حاجة وطلعتوا كويسين" الجملة التي يواجهك بها آباؤك فور أن تخبريهم بأن عليهم أن يغيروا من طريقة تعاملهم مع أطفال الأجيال الجديدة، كونهم غير مدركين أنه "حصل بالفعل وإحنا مش كويسين"، فخلال أحاديثنا مع أصدقائنا نكتشف كيف ما زلنا نذكر لطمة على الخد من أمهاتنا في لحظة غضب أو توبيخ مستمر من آبائنا على خطأ عادي، وحتى تجاهل تام من كليهما في نفوسنا؟ كيف صرنا نشعر بالذنب أو بالكره تجاه كثير من الأشياء؟ ليبدو الأمر ظاهريا وكأننا "بخير"، لكن نفوسنا مهترئة.
في مجتمعاتنا العربية الإساءة والتعامل مع الأطفال دون قيود أو ضوابط هو الأمر العادي، فتعنيف وضرب الأطفال ثقافة متوارثة، التقليل من مجهوداتهم وتعمد إهاناتهم يتم تبريره على أنه رغبة في جلعهم أفضل، بخلاف انتهاكات أخرى جسدية ونفسية وجنسية.
أشكال الإساءة للأطفال
الإساء للأطفال وإهمالهم Child Abuse and Neglect له أكثر من شكل، ولكل منه تأثيره على الطفل بدرجات متفاوتة، وبسبب عدم وجود دراسات وإحصائيات عن نسب وأعداد الأطفال متعرضين للإساءة، تشير تقديرات دولية تابعة لمنظمة الصحة العالمية أن 1 من كل 5 نساء، و1 من كل 13 رجل يصرحون بتعرضهم للإيذاء الجنسي في مرحلة الطفولةن وأن ربع الأشخاص البالغين يبلغون عن تعرضهم للإيذاء الجسدي وهم أطفال، بخلاف الإهمال والأذى العاطفي.
ويمكن إجمال الإساءة التي قد يتعرض لها الأطفال في:
الإساءة الجسدية
يتهاون الأهل مع استخدامهم للعنف الجسدي تجاه أطفالهم، بحجة أنه الطريقة المناسبة للتربية وما يجعلهم مطيعون، فنجد الأب أو الأم او الشخص المسئول عن تربية الطفل يقوم بركله أو لطمه على وجهه، وقد يصل الأمر إلى استخدام أداة لتعنيفه كالحزام الجلدي والعصا. البعض يقومون بخنق أطفالهم أو شد شعورهم والعض والحرق كذلك.
جميعها أساليب تُخرج مفهوم التربية من معناه، وتجعله وسيلة للاذى وتعريض حياة الطفل للخطر، خاصة أن الإساءة الجسدية من الممكن أن تتسبب في عاهات مستديمة بجسد الطفل، وبالتأكد أغلبنا اطلع مرة أو أكثر على فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال تكسرت عظامهم أو فقدوا حياتهم بعد أن عذبهم آباؤهمز
وتظهر تأثيرات الإساءة الجسدية على الطفل في سلوكه، فتنتابه الكوابيس ويعاني من الأرق، وقد يصل الأمر إلى تعرضه للقلق والخوف والرغبة في الانعزال والاكتئاب، ومن الممكن ان يمارس العنف على زملائه وأخواته والحيوانات الأليفة أيضا، ويلازمه العنف والتصرف دون نضج ووعي كافي لسنوات طويلة في حياته.
الإساءة الجنسية
في واقعة انتشرت على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، وعرفت بحادث اغتصاب "طفلة البامبرز"، ظل كثيرون في حالة من الخوف والقلق والشك، كي يمكن لبالغ أن يواقع طفل لا يملك من أمره شيء؟ ولماذا؟ انتهت القضية بإعدام المجني عليه بعد التأكد من اغتصابه طفلة لم يتعد عمرها العامين، ولكنها فتحت الباب أمام انتهاكات جنسية تطال الأطفال وقد لا تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أو يفقد الاطفال القدرة على التعبير عنها.
الإساءة الجنسية لا تعني الاغتصاب فقط، ولكنها أي فعل يشرك الطفل في أفعال جنسية أو يجبره عليها، وقد يكون إجباره على مشاهدة فعل جنسي، أو إظهار أعضائه الجنسية وإجباره على رؤية أعضاء الآخرين ولمسها أحيانا، ومن الممكن أن يكون اعتداء جنسي أو تحرش لفظي أو جسدي أو حديث غير لائق.
وبخلاف ما تحدثه هذه الاعتداءات من تشوهات بدنية للاطفال، سواء من التسبب في نزيف أو حكة ومشاكل في الأكعاء وصعوبات في المشي والحركة، يتعدى أثرها إلى نفس وسلوك الطفل الذي تعرض للإساءة (والتي قد تكون من جانب شخص غريب أو فرد من العائلة)، فنلاحظ أنه بدأ ينعزل عن التواجد مع آخرين ويخشى الجميع، ولديه مشاعر قلق واكتئاب، وكذلك تحدث له اضطرابات في تناول الطعام والنوم ويكثر تبوله بالفراش وتنتابه الكوابيس، وقد يتطور الأمر لمحاولات الانتحار والعنف المفرط.
الإساءة العاطفية
سنجد أن أغلبنا يمارس الإساءة العاطفية تجاه الأطفال دون وعي منّا، وغير مدركين أن هذه التصرفات "العادية"- من وجهة نظرنا- يمكنها أن تتسبب في تدمير شخصية الطفل، فعدم الاستماع للأطفال وتجاهلهم، وقطع محادثاتهم وكأنها غير مهمة، وكذلك محاولات التقليل من شأنهم وانتقادهم المستمر أمور كافية لتجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم.
وشملت الإساء العاطفية توصيل معلومات مغلوطة للطفل، والعمل على إشراكه في أفعال وسلوكيات لا تناسب عمره كالسرقة أو تشجيع الكذب وسوء السلوك باعتبره طرفة أو مزحة، تعمد إخافته وإهانته، إلقاء الليوم عليها بصورة دائمة، عدم الإيفاء بوعدك معه، تهديده بالتخلي عنه أو إذلاله، الصراخ المستمر وتأنيبه على أبسط الأفعال..
في الغالب، يعاني الأطفال الذين يتعرضون للإساءة العاطفية من اضطرابات النطق وتناول الطعام، فقد يعانون من النحافة أو السمنة، وكذلك التبول في أثناء النوم، وقد نجدهم دفاعيين ولديهم رغبة في أن يكونوا دوما على صواب، ويواجهون كذلك صعوبات في لتعلم وتاخر في النمو، ويميلون للعنف والتخريب والقسوة والكذب والغش.
إهمال الطفل
الإهمال هنا يعني عدم توفير رعاية جسدية ونفسية وصحية وتربوية للطفل، وان يعتبره والداه وكأنه غير موجود، فيهملون تقديم الرعاية الجسدية من مأكل وملبس وماوى مناسب وآدمي، ويرفضون حضانته والاهتمام به ورعايته والإشراف على أفعاله وتقويمه، وكذلك تعريضه للخطر والنشأة في بيئة غير آمنة، وعدم الاعتناء بصحته ومنحه الرعاية الطبية اللازمة.
عدم حصول الطفل على فرص في التعليم، وإهمال إلحاقه بالمدرسة يعد إهمالا، وإبعاده عن من يحبهم وعن خلق بيئة اجتماعية محبة هو من اشكال الإهمال العاطفي، وهو ما ينتج أجيالا تعاني من فقدان أبسط حقوقها.
الإساءة التي توجه للأطفال قادرة على أن تفسد أجيال كاملة، وتفقد شعوب القدرة على الإنتاج والتواجد، فللأمر عواقبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كذلك، ولذلك في قانون حماية الطفل المصري تتطرق مادته الأولى إلى تعهد الدولة بالحفاظ على حياة الطفل وضمان حياة كريمة له وفق اتفاقية حقوق الطفل.
ويوفر المجلس القومي للطفولة والأمومة لجان لحماية الطفل، وخط ساخن لنجدة أي طفل يتعرض لأي نوع من الإيذاء هو 16000، ولكن في تحقيق أعدته ولاء نبيل وسحر المليجي في جريدة المصري، تم الكشف عن أن أغلب قضايا العنف ضدالأطفال غالبا ما تنتهي بالحفظ، وتم رصد حالات عن آباء وأمهات عرضوا آبناءهم للخطر وتم وضع الطفل تحت رعايتهم مرة أخرى.
الأمر الذي يعني ضرورة وجود آلية أقوى ودور لرعاية الأطفال في حال كان مقدمو ومسئولو الرعاية غير جيرين بالثقة ويعرضون الأطفال للخطر.
*الصوة من فيلم كفرناحوم
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٢١ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا