كورونا تسلب صحفيات الميداني أحلامهن وأمانهن
الأكثر مشاهدة
كُن يتركن مكاتبهن صباحًا، ويهرعن إلى حالات تبحث عن من ينقذها، يقفن بجوار مُسعفين وأطباء معنين بعلاج المصابين بفيروس كورونا (كوفيد 19)، الذي عرف طريقه إلى مصر، مطلع شهر مارس الماضي، لم تتوقف هواتفهن عن الرنين، استغاثات كثيرة حاولن تلبيتها بالنشر عنها ولفت نظر المسؤولين إليها.. هنّ صحفيات لم يتخاذلن عن مهامهن حتى بعد تفشي الوباء وإعلان منظمة الصحة العالمية أن "كورونا" صُنف كجائحة عالمية.
أجرى «احكي» استطلاع رأي مع 31 صحفية ينتمين لـلصحف (الخاصة- القومية- فريلانس- كاتبة محتوى)؛ لمعرفةِ قصصهن مع الجائحة، وجاءت نتائجه بأن 71% يحتاج عملهن للنزول الميداني ويصبحن في خطوط المواجهة الأولى وأكثر عرضة للإصابة بالفيروس ، دون أن توفر جهات عملهن المواد الوقائية التي وصل الإنفاق عليها أكثر من نصف الدخل الشهري، وعقب تفشي الجائحة وارتفاع الإصابات اليومية لتتخطى حاجز الـ1000 حالة يوميًا، لم تنجو الصحفيات من الجائحة فأصيب 10% من العينة بفيروس كورونا، و10% حالات اشتباه و80% مخاطر نفسية ومادية.
الوباء يُهدد الحلم
"أول مرة أكون أنا المصدر.. طول عمري بصور مع الناس وأنا اللي بعمل الإنترفيو"..بهذه الكلمات بدأت دعاء محمد، الصحفية بجريدة البوابة نيوز، حديثها عن تجربة إصابتها بفيروس كورونا في منتصف يونيو الماضي، إذ مكثت قرابة العشر أسابيع في غرفة العزل المخصصة لها بمنزلها.
تقول إن إصابتها تزامنت مع وصول معدل العدوى للذروة، فكانت مصر تسجل أكثر من 1500 حالة يوميًا، فيما كانت هي تتحمل أعراض الإصابة إضافة إلى خلل مناعي تعاني منه منذ حوالي 5 سنوات؛ جعلها من أوائل الفئات المهددة بالعدوى، لكن يتطلب منها إنجاز بعض المهام بعملها النزول إلى مقابلات مع المصادر الصحفية، ورغم اتباعها كافة الإجراءات الاحترازية أُصيبت "من بداية اكتشاف الفيروس اشتريت كمامة n95 واهتميت بالكحول والمطهرات لكن مناعتي لم تقاوم العدوى."
مع بداية العام 2020 تحديدًا منتصف فبراير الماضي، تم قبول الصحفية في ورشة تنظمها شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج" في الأردن، وهو أحد أهم أحلامها، تقول:" كنت بحلم بالورشة دي وكمان أول مرة أسافر برا مصر وفعلًا اتبعت لي تيكت (تذكرة) الطيران وحجز الفندق، لكن فجأة الحدود اتقفلت واستقروا على تنظيمها أونلاين".
حاولت أن تقاوم يأسها بالعمل على تحقيق استقصائي مع "أريج" وكان من المفترض أن تنتهي مرحلة البحث الأولي في 29 يونيو _بحسب العقد المبرم بين الطرفين_ لكن تم اكتشاف إصابتها بالفيروس بتاريخ 12 يونيو؛ الأمر الذي جعلها مهددة بفقدان فرصة إنجاز التحقيق الذي سعت له منذ عدة سنوات، لكن بعد التواصل مع "أريج" قرروا مد الفترة لحين تعافيها.
"كوني صحفية دا منفعنيش في أي حاجة، أنا كنت محتاجة أوضة (غرفة) ليا في مستشفى معرفتش أوصلها"، هكذا عبرت عن فترة ازدياد الأعراض التنفسية والدخول في مرحلة إلتهاب رئوي، نتج عنه منعها من الحديث والحركة؛ فتوقفت حتى محاولات الأصدقاء للتهوين عليها بمحادثتها عبر تطبيقات الفيديو أو حتى المكالمات العادية، وعقب رحلة صعبة من عرضها على أطباء الصدر والمناعة ومراكز الأشعة، ارتفعت التكلفة المادية للعلاج حتى وصلت لقرابة 25 ألفًا خلال 10 أسابيع فقط.
تضيف الصحفية المتخصصة في الإسلام السياسي، أن الوصول لإحدى الأَسرةُ بمستشفاتِ العزل وعدم المقدرة المادية لتكلفة المستشفيات الخاصة، كانت من بين التحديات التي واجهتها لا سيما أن راتبها تم تخفيضه بنسبة 35% مع بداية تفشي الوباء ليصل إلى 1700 جنيهًا بدلًا من 2500، مضيفة "كان بيتطلب مني أشعة الواحدة فيهم ب2000 جنيه يعني أغلى من مرتبي وكوني نقابية ده نفعني بس في تخفيض الأشعة والتحاليل فقط."
إلى جانب الأعباء المادية تحملت الفتاة أعباء نفسية جمة، تتذكر "دعاء" فترة العزل الإجباري بمنزلها عقب الإصابة، مبيّنة أن الألم النفسي الذي سببه انعدام التواصل مع أشخاص خارج حدود غرفتها، جعل محاولات التماسك صعبة للغاية، قائلة:" أسوأ حاجة كانت إحساس إن الناس بتتجنبك وخايفين منك بدل ما يكونوا بيطبطبوا عليك ويواسوك.. عشان أتغلب على اليأس وأقاوم نوبات الإكتئاب كنت بفضّي العلاج من علبته عشان ميبانش انه كتير وأحس إن قدامي فترة كبيرة على ما أخف."
لم تكن «دعاء محمد» الصحفية الوحيدة التي أصيبت بكورونا، فقد أصيب ثلاث صحفيات أخريات نتيجة استطلاع الرأي الذي أجراه «احكي» مع 31 صحفية، إلى جانب إصابة 431 صحفي/ة بأكثر من 50 دولة على مستوى العالم وفقًا لإحصائيات التي نشرتها الحملة الدولية لشعار حماية الصحفى PRESSE EMBLEME CAMPAGNE
العمل الميداني في زمن الجائحة
تزداد حصيلة الإصابات اليومية، فيما تواصل "هاجر زين العابدين" مهمتها الشاقة، فهي واحدة من ضمن 39 صحفية ميدانية -نتيجة استطلاع الرأي- لم يتوقفن عن أداء عملهن في ظل تفشي الوباء بينما كان الخوف هو الرفيق الأوحد للتغطيات التي تجاوزت وقت الحظر وامتدت لأكثر من 10 ساعات، تقول: "أنا اشتغلت معايشات ميدانية كثيرة في ظل الجائحة وأول معايشة كانت لرجال الاسعاف أثناء ما كانوا بينقلوا حالات كورونا والمعايشة ديه كانت صعبة جدا"
رغم إتخاذ صحفية التحقيقات بالأخبار المسائي لكافة الإجراءات الوقائية خلال توثقيها لرحلة رجال الإسعاف منذ لحظة استلام البلاغ حتى التحرك لنقل المصاب لمستشفيات العزل، لم يمنع هذ إصابتها بفوبيا الإصابة أو نقل العدوى إلى أسرتها: "عزلت نفسي 14 يوم وأخويا هو إللي كان بيعملي الأكل وكان بيحطهولي قدام باب الشقة بسبب خوفي أني أنقل العدوى لأسرتي"
نتيجة لتميز الفتاة في عملها الميداني ذو المخاطر العالية عرض عليها معايشة أخرى من داخل الحجر الصحي، رغم أهمية تلك المعايشات في العمل الصحفي، لكنها "رفضت من غير ما أتردد وديه كانت واقعة غريبة عليا لأن معروف عني أني عندي حماس، بسبب القلق إللي لازمني من المعايشة الأولى رفضت" وكان الحرمان من الأهل عقب كل رحلة ميدانية ضريبة لم تتحملها الفتاة بعد "عمرما هسمح لنفسي أني أضر أهلي لأن هما أكبر داعمين ليا".
لم يشفع للصحفية العشرينية مداومتها على المعايشات الميدانية منذ بدء الجائحة ووقت تفشي العدوى، لتمنحها جهة العمل بدلًا أو تعويضًا عن انفاقها على المواد الوقائية، ونتيجة لذلك تكبدت "هاجر" خسارة نصف راتبها على الكمامات والكحول وأدوات النظافة، وهذا ما أشتركت فيه 26 صحفية أخرى -نتيجة استطلاع الرأي- وتمثل حجم إنفاقهن الشهري على المواد الوقائية من (200- 1000) جنيه شهريًا أي ما يوزازي نصف الدخل لدى البعض.
الخوف كان كافيًا لتعطيل أحلام «هاجر» لأهمِ تحقيق في حياتي كان نهاية 2019 وبداية 2020 لكن بسبب كورونا توقفت عن العمل فيه، كانت الهواجس بإنجاز أهم تحقيق منذ بداية عملها الصحفي وتعطل لمدة 5 أشهر نتيجة عدم تواصلها مع المصادر وخاصة أن التحقيقات جوهر عملها مواجهة المصدر، إلى جانب توقف كافة خططها المتعلقة بالورش التدريبية "كان حلم من أحلامي أني أسافر لورش برا مصر لكن الفيروس عطل كل الخطط" نتيجة لذلك دخلت الصحفية نوبة من الاكتئاب.
«الجائحة النفسية».. الأخطر أثرًا
وفقًا لاستطلاع الرأي تنوعت مخاطر الصحفيات في ظل الجائحة بين المخاطر الإقتصادية والمتمثلة في (انخفاض الدخل قرابة النصف- الفصل التعسفي من العمل- زيادة ساعات العمل مع انخفاض الدخل)، إلى جانب المخاطر المستقبلية (أوقفت تنفيذ الأفكار التي تحتاج إلى سفر- انعدمت فرص الانتقال لصحيفة أخرى- توقف العمل على مشروع كتاب يتوجب العمل الميداني- خسارة فرصة العمل على تحقيقات استقصائية).
واشتركت كافة الصحفيات في المخاطر النفسية والممثلة في (نوبات الهلع- الخوف والاكتئاب الحاد- اضطرابات النوم- اضطرابات الأكل النفسية)، وهذا ما أكدته زهرة عبد الله، المعالجة النفسية والحكاءة، من خلال ورشة الكتابة للتعافي التي دشنتها خلال تفشي فيروس كورونا، وتهدف إلى مساعدة الأشخاص علي اكتشاف أنفسهم من خلال الكتابة بإستخدام تمارين متنوعة في الكتابة الإبداعية تركز على تأمل الأفكار ورصد المشاعر التي تكمن خلف السلوكيات وجعل الكتابة فعل شبه يومي.
وأكدت المتخصصة في الدعم النفسي أن الصحفيات شكلن20% من نسبة حضور الورشة على مدار 6 دورات والتي تعقد عبر تطبيق «زووم»، وتركزت مشاكلهن في الخوف من المستقبل وضغوط بيئة العمل، مؤكدة على أن الورشة تمنح المشتركات مساحة آمنة لتفريغ كافة ضغوطاتهم بواسطة تكنيك الفضفضة.
**تصوير ومونتاج: نورهان محسن
الكاتب
سمر حسن
الأربعاء ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا