تمكين المرأة.. كيف نحققه؟ ولماذا هو مهم؟
الأكثر مشاهدة
لم يعد هناك خطاب حكومي أو دولي متعلق بالتنمية والتغيير يخلو من الحديث عن تمكين المرأة، فبات الأمر ضرورة ملحة للدول حتى تنعم بمستقبل أفضل، سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وحتى السياسي. ورغم أن المناداة بضرورة تحقيق هذا التمكين، الذي يمنح النساء استقلاليتهن وتحديد مصيرهن بأنفسهن، منذ أكثر من خمسين عاما، ما زال هناك من لا يعي ما يعنيه التمكين، وما يمكن أن يحققه.
ما هو تمكين المرأة؟
ركزت الحركات النسائية في أوائل القرن العشرين بصورة أكبر على الحقوق القانونية للمرأة، كالحق في الاقتراع والانتخاب، ولكن مع مرور السنوات بدا أن نيل الحقوق كافة وتحقيق التمكين والاستقلالية للمراة لن يأتي تباعا، ولكنه يحتاج إلى مطالبة وسعي مستمرين، ولذلك عادت الحركات النسائية لتنشط من جديد في الدعوة لتحقيق حرية أكبر للمراة ومنحها حقها في تقرير مصيرها.
أكدت الحركات النسائية، وقتها، وما زالت توضح ذلك إلى الآن، على أن تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية للمجتمعات، لن يتحقق سوى بتمكين النساء، الذي يمكننا توصيفه بـ "أنه عملية تساعد على زيادة وصول المرأة إلى خيارات الحياة والفرص، بما يمنحها السيطرة على شأنها الخاص، وتحقيق التمكين على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يعمل على تحدي نظام التقسيم الطبقي الجنسي، ويمكنه أن يساهم في تحسين نوعية حياة المرأة، ويخلصها من التهميش والتبعية".
الهدف من التمكين أن تملك المرأة القدرة على اتخاذ القرار في جميع جوانب حياتها، وأن تمتلك الحرية والمسئولية الكاملة، حتى يكون لذلك مردوده الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضا، فالتمكين هو القوة التي يتم خلقها داخل الأفراد ليكونون مسيطرين على حياتهم، وتمكين المرأة بهذا الشكل سيساهم في إشراكها في عمليات صنع القرار سياسيا واقتصاديا، ويسمح لها بالوصول إلى الفرص المتاحة جميعها دون قيود في التعليم والعمل واختيار شكل الحياة الذي تريده.
منذ أكثر من 25 عاما، أوضح صندوق الأمم المتحدة للسكان في بيان له في أثناء المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة عام 1994، أن مسالة تمكين المرأة والعمل على استقلالها وتحسين وضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي باتت من الضروريات التي تستهدف تحقيق التنمية المستدامة، وتمت الإشارة إلى الجوانب التي يجب العمل على تمكين النساء بها، حتى يتم ضمان مستقبل أفضل للجميع، لأن برامج السكان والتنمية يمكنها أن تكون أكثر فعالية عندما تحدث مع اتخاذ خطوات تعمل على تحسين وضع المرأة.
وخلال المؤتمر، تم التركيز على الجوانب التي يجب العمل عليها من أجل إحداث التمكين، وكان التعليم هو أهم الطرق التي تساهم في إمداد المرأة بالمعرفة ومهارات الثقة بالنفس للمشاركة في عملية التنمية، وكانت الأرقام وقتها (عام 1994) تشير إلى أن ثلث الأميين في العالم من النساء، ولم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى المعرفة.
ومن أجل تمكين النساء بصورة فعلية، فلا بدّ من تحقيق المساواة، وطرح المؤتمر مجموعة من الخطوات التي يجب على الدول اتخاذها للقضاء على عدم المساواة بين الجنسين، وهي:
- إنشاء آليات لمشاركة المرأة بشكل متساوي وعادل في جميع المستويات العملية السياسية والحياة العامة.
- تنمية مهارات المرأة ومنحها الحق والفرص المتساوية في التعليم والعمل، والاهتمام بالقضاء على الفقر والأمية والاعتناء بالحالة الصحية للنساء.
- القضاء على جميع الممارسات التمييزية ضد المرأة، والعمل على إرساء حقوق المرأة، خاصة ما يتعلق بالصحة الإنجابية والجنسية.
- وضع تدابير من شأنها أن تعمل على تحسي قدرة المراة في الحصول على العمل، وتحقيق الاعتماد على الذات اقتصاديا.
- العمل على القضاء التام على العنف ضد الرأة.
- القضاء على الممارسات التمييزية من جانب أصحاب العمل ضد النساء، والعمل على تهيئة بيئة العمل لهن.
- تحقيق التمكين للمرأة على المستوى القانوني، والعمل على تغيير الأنظمة والتشريعات بما يحقق للمرأة المساواة والعدل ويمنحها الفرص، ويجعلها قادرة على الجمع بين دورها الاجتماعي والمشاركة في العمل.
وجاء إعلان منهاج بيجين عام 1995 ليوضح أن حقوق المرأة والطفل هي حقوق أساسية لا يمكن فصلها عن حقوق الإنسان، وركز على أن تمكين المرأة واستقلاليتها وتحسين أوضاعها يعمل على تحقيق الشفافية والمساءلة للحكومات والتنمية المستدامة، ووضع خطة او آلية يمكنها أن تساهم في تقليل الفجوة وانعدام المساواة بين الجنسين على مدار السنوات.
آليات تمكين المرأة
وعلى مدى السنوات الماضية، بدأت مجموعة من الإجراءات التي يمكنها أن تحقق التمكين للمرأة، والتي رغم تحقيقيها للكثير من التقدم، ما زالت في في حاجة إلى بذل جهد أكبر من شانه أن يقضب على أشكال التمييز وانعدام المساواة والعنف الممارس ضد المرأة.
التمكين الاقتصادي للمرأة
في كثير من البلدان، من بينها مصر، تعاني بعض النساء من استحلال ميراثهن، مما يمنع عنهن التمتع بالاستقلال المادي الذي بالتبعية يمنحهن ثقة وحرية اتخاذ القرار، في حين يعني تمكينهن الاقتصادي زيادة قدراتهن على الوصول إلى الفرص بشكل متساوي مثل الرجال، ودعم تدريبهن الوظيفي للدخول لسوق العمل، وتهيئة بيئة وأماكن العمل لتكون مناسبة للنساء، مع تغيير التشريعات والقوانين لتتوافق مع أوضاعهن (يجب وجود تشريعات تراعي أشهر الحمل والرضاعة والحضانة للأم).
وفي المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2017، جاءت منطقة لشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المرتبة الأخيرة، حيث لا يشارك سوى 20.5% من النساء في القوى العاملة، وتمثل المرأة تمثيلا زائدا في المهن ذات الأجور المتدنية، بينما تأتي نسبته في المناصب العليا ضئيلة، وهو ما ينعكس على النمو الاقتصادي، الذي شهد تباطأ في هذا العام وصل إلى 1.8%.
وكانت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أوضحت أن تراجع مشاركة النساء في منطقة الشرق الأوسط في القوى العاملة يرجع إلى عدم تحديث الأطر التنظيمية القانونية التمييزية، وعمل المراة في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، ومحدوية وصول النساء إلى الموارد والقدرة على التحكم فيها، أو إلى الفرص والتدريبات اللازمة والمؤهلة لسوق العمل، وعدم توفير وظائف لائقة بأوضاع النساء، أو تهيئة أماكن العمل لتكون مناسبة لهن.
التمكين السياسي للمرأة
بالأساس، يجب أن يكون للمراة دور في العمل السياسي، وداخل صالات صنع القرار، وعلى طاولات المناقشة والمفاوضات العالمية، ومنذ بدء التحرك النسائ من أجل نيل حق النساء في الاقتراع والتصويت مع بداية القرن العشرين، وحتى الآن، ما زال هناك الكثير ليكون للمرأة وجودها السياسي، وذلك بإصدار القوانين والتشريعات التي تمنحها حصص في المجالس النيابية والحكومات العالمية.
مع حلول عام 2019، كانت نسبة النساء اللاتي يشغلن مناصب برلمانية قد وصلت إلى 24.5%، كما صارت هناك 108 من النساء قسادات وطنية في 70 دولة حول العالم، كما زادت نسب النساء الرئيسات ورئيسات الوزراء، وكانت مصر قد شكلت حكومة في عام 2018 مثلت النساء 25% منها، وعلى الرغم من وجود مجموعة من المؤشرات التي توضح أن هناك تقدما ملموسا في ما يخص التمثيل النسائي والتمكين السياسي لهن في المناصب العليا في جميع بلدان العالم، يعد هذا التقدم بطيء ولايعبر عن الواقع واحتياجاته.
عملية التمكين للنساء ما زالت مستمرة، وتحتاج إلى مزيد من الجهد من جميع الجهات من الحكومات والمسئولين الرسميين، وكذلك المجتمع المدني، حتى يتحقق للمرأة المساواة.
الكاتب
احكي
السبت ١٤ نوفمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا