ما هو الإجهاض الآمن ومتى تصبح سلامة النساء أولوية؟
الأكثر مشاهدة
ما هو الإجهاض غير الآمن؟
فاتورة الإجهاض غير الآمن
هل المنع يقيد انتشار الإجهاض؟
القانون والدين في الوضع المصري
قبل سنوات شاهدت فيلمًا وثائقيًا للمخرج الأمريكي مايكل مور بعنوان " "Where to Invade Next(أين الغزو القادم؟)، يدور حول فكرة بسيطة، فمور يسافر إلى بعض الدول التي يوجد بها امتيازات لمواطنيها لا تمنحها الولايات المتحدة لمن يحملون جنسيتها، وكانت هناك دولة عربية في القائمة التي زارها المخرج الشهير، وهي تونس، والسبب كان الإجهاض الآمن الذي توفره الدولة لنسائها، لأنها تضع صحتها أولولية. وقتها استوقفني الأمر لأن تونس وقت إعداد الفيلم كانت تحت حكومة إسلامية.. فهل الدين الإسلامي لا يحرم الإجهاض؟ وهل منع النساء والفتيات من الحصول على عمليات إجهاض آمنة وقانونية يعني التوقف عن الاحتياج لتلك العمليات أم أنه يضع حياتهن في خطر بسبب اللجوء لطرق أخرى غير آمنة؟ وما هو الإجهاض غير الآمن من البداية.. كل تلك الأسئلة سنجيب عليها في هذا الموضوع.
ما هو الإجهاض غير الآمن؟
تبعًا لتعريف منظمة الصحة العالمية فإن الإجهاض غير الآمن هو إنهاء الحمل على يد أشخاص يفتقرون إلى المهارات والعلم أو في وسط يفتقر للمعايير الطبية الدنيا وأو كلا الحالتين معًا. ويمكن إجراء الإجهاض غير الآمن عن طريق الوسائل الطبية كالأدوية والتي يصفها شخص غير مؤهل ومكن أن تسفر عن مضاعفات خطيرة، والوسائل الجراحية ويتم استخدام شفاطة يدوية أو كهربائية، وغالبًا ما تلجأ النساء والفتيات إلى الإجهاض غير الآمن لأن عدد كبير من الدول يمنع الإجهاض من خلال:
- القوانين التقييدية التي تمنعه من الأساس أو تضع شروط شديدة
- قلة الخدمات
- ارتفاع التكاليف
- الوصم بالعار
- نطاق المشكلة
ورغم المنع والتقييد تشير الإحصائيات إلى أنه في خلال هام 2008 فقط تعرضت حوالي 22 مليون امرأة إلى الإجهاض غير الآمن، مما أسفر عن 47 ألف وفاة من بينهن و5 ملايين تعرضن لمضاعفات خطيرة مثل:
- الإجهاض الناقص (عدم إزالة النسيج المتكون داخل الرحم)
- تضرر الجهاز التناسلي وأعضاء الجسم الباطنية نتيجة لإدخال أدوات خطرة مثل العيدان أو إبر الحياكة أو زجاجة مكسورة في المهبل أو الشرج.
- نزيف شديد
- الإصابة بالعدوى
- ثقب الرحم (بسبب اختراق الرحم بواسطة أداة قاطعة)
فاتورة الإجهاض غير الآمن
تدفع النساء فاتورة كبيرة بسبب الإجهاض غير الآمن، وهذه المرة لا يقتصر الأمر على الدول النامية ولكنه يطال الدول المتقدمة أيضًا وفيها تلقى 30 امرأة حتفها بين كل 100 ألف حالة إجهاض غير آمن، ويرتفع هذا العدد إلى 220 حالة وفاة في البلدان النامية، و520 وفاة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
كما أن هناك تكاليف اجتماعية ومالية كبيرة تتحملها المرأة والمجتمعات والأنظمة الصحية بسبب الإجهاض غير الآمن، ففي تقديرات عام 2006 تم الإشارة إلى إنفاق 680 مليون دولار أمريكي على علاج عواقب الإجهاض غير الآمن، مع مبلغ إضافي يقدر بـ 370 مليون دولار أمريكي لتلبية الاحتياجات الطية لأي مضاعفات أخرى.. وذلك بحسب اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب ولجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في الأمم المتحدة.
هل المنع يقيد انتشار الإجهاض؟
ذكر تقرير منشور لمعهد جاتماتشر، جمعية أمريكية معنية بالصحة الإنجابية، إن معدلات الإجهاض في البلدان التي تحظره تبلغ 37 لكل ألف امرأة، بينما تبلغ 34 لكل ألف امرأة في البلدان التي تسمح بالإجهاض على نطاق واسع، وهو ما يعني أنه لا يوجد فرق كبير، سوى في تعريض مزيد من النساء للخطر بسبب الإجهاض غير الآمن.
القانون والدين في الوضع المصري
يجرم القانون المصري الإجهاض ويعتبره اعتداء على الحق في الحياة المستقبلية، ويمكن أن تواجه المرأة التي تقوم بالإجهاض بمواجهة عقوبة ما بين جنحة وجناية، والحبس من 24 ساعة إلى السجن المشدد لمدة عامين، ويمكن للقاضي تخفيف العقوبة إذا كانت المرأة قد أجهضت بدافع معقول مثل "إصابة الطفل بتشوهات خطيرة أو مرض عضال"، ويبيح القانون إجراء الإجهاض في حالة واحدة وهي إذا كان الحمل خطرًا على حياة المرأة.
هذا التشدد الموجود في القانون ، يقابله رأي أكثر تقبلًا ومرونة من المؤسسات الدينية الإسلامية المصرية، ففي فتوى بتاريخ فبراير 1979 أصدرها الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الذي أصبح بعد ذلك شيخ الأزهر الشريف، يرد فيها على سؤال هل يجوز الإجهاض وسيلة من وسائل تنظيم النسل؟
والإجابة التي وردت نصًا هي:
"أجاز فقهاء المذهب الحنفي إسقاط الحمل ما لم يتخلق منه شيءٌ، وهو لا يتخلق إلا بعد مائةٍ وعشرين يومًا، وهذا الإسقاط مكروهٌ بغير عذر، وذكروا أن مِن الأعذار انقطاعَ لبن المرأة المرضع بعد ظهور الحمل مع عجز أب الصغير عن استئجاره مرضعةً ويخاف هلاكه، ويرى بعض الشافعية مثل ذلك، وفريقٌ من المالكية ومذهب الظاهرية يرون التحريم، ومِن المالكية مَن يراه مكروهًا، والزيدية يرون إباحة الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين مطلقًا؛ أي سواء أكان الإسقاط لعذرٍ أو لغير عذر، ولا خلاف بين الفقهاء جميعًا في أن إسقاط الجنين بعد استقراره حملًا أربعةَ أشهرٍ محرمٌ وغيرُ جائزٍ إلا لضرورةٍ؛ كما إذا تعسرت الولادة ورأى الطبيب المتخصص أن بقاء الحمل ضارٌّ بالأم فإنه في هذه الحال يباح الإجهاض؛ إعمالًا لقاعدة دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، ولا نزاع في أنه إذا دار الأمر بين موت الجنين وموت الأم كان الإبقاء على الأم؛ لأنها الأصل.
وعلى هذا: فإن الإجهاض بمعنى إسقاط الحمل بعد بلوغ سن أربعة أشهرٍ رحميةٍ حرامٌ وغيرُ جائزٍ شرعًا إلا للضرورة؛ كالمثال السابق، وكما إذا تعسرت الولادة أيضًا وكانت المحافظة على حياة الأم داعيةً لتقطيع الجنين قبل خروجه فإن ذلك جائز.
والله سبحانه وتعالى أعلم."
فيما نشرت دار الإفتاء المصرية على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، مقطع فيديو يرد فيه الدكتور محمد عبد السميع، مدير إدارة الفروع الفقهية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، على سائلة تقول أنها حامل في شهرين ولديها رضيعة تبلغ 7 أشهر تحتاج العناية بها، فهل يمكنها إجهاض الحمل؟ وقد جاء رد الدكتور عبد السميع: "إذا كنا لسه مدخلناش فى الأربعة أشهر وإذا كان حضرتك محتاجة صحة ومجهود عشان تراعي البنت اللي عندها 7 شهور مفيش مانع من هذا.. وذلك على مذهب الشافعية والحنفية لأنهم قالوا إن الجنين قبل الأربعة أشهر لا يكون فيه حياة حقيقية وإنما تكون فيه حياة متوهمة أو حياة تشبه الحياة النباتية".
فهل يمكن أن تكون تلك الفتاوى يومًا ما أساسًا لقانون مصري يمنح المرأة الحق في الإجهاض الآمن؟ لا نعرف، لكن ما نعرفه حقًا أن قطاع كبير من المجتمع ما زال يحارب الفكرة بسبب جهله بخطورة الإجهاض غير الآمن ولإعتقاده أن المنع يعني عدم السماح للعلاقات خارج إطار الزواج بالحدوث، وهذا لدرجة أن التعليقات على مقطع الفيديو الذي نشرته دار الإفتاء المصرية وصلت لـ: "اتقي الله يا شيخ إجهاض إيه اللي حلال.. أنت هتفتي؟َ!."
الكاتب
ندى بديوي
الأربعاء ١٦ ديسمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا