تأثير قيود المجتمع على النمو العاطفي لدي المراهقات
الأكثر مشاهدة
المحتوى:
1- متى يعرف الإنسان الحب لأول مرة
2- اصطدام حب المراهقات مع السلطة الأبوية
3- كيف تؤثر السلطة الأبوية بالسلب على النمو العاطفي لدى المراهقات
أتذكرين حب المراهقة؟ الحب الذي كبلته قيود المجتمع من حولك..أتذكرين التمرد الذى جرى في عروقك وقتها سخطًا على العالم ومن فيه، أتذكرين كيف تداخلتي والتحمتي مع فكرة عبقرية جديدة ألا وهي الحب العذري..والخيال الذي احتفظ بكِ ليالِ طويلة ساهرة لتؤنسك كلمات الأغاني وحكاوي الروايات التي يخبرنا فيها أصحابها عن حلاوة الحب وعذابه.
أحاول منذ الطفولة رسم بلاد
تسمى مجازاً بلاد العرب
تسامحني إن كسرت زجاج القمر
وتشكرني إن كتبت قصيدة حب
وتسمح لي أن أمارس فعل الهوى
ككل العصافير فوق الشجر
من قصيدة "متى يعلنون وفاة العرب" للشاعر نزار قباني
علقت هذه القصيدة على باب غرفتي في سن المراهقة، مُتسائلة بحسرة ممتزجة بالألم: لمَ لا يُسمح لنا أن نعيش تجربة الحب هذه، التي يُكتب عنها في الأشعار، وتُغني على المسارح، وتُعرض على الشاشات كل صباح ومساء؟!
متى يعرف الإنسان الحب لأول مرة؟
يختبر الإنسان الحب لأول مرة في مرحلة مبكرة من العمر، يبدأ فيها بالتعبير عن الحب بتصرفات بسيطة كتفضيل طفلة معين للعب معه أو الجلوس بجانبها في المدرسة، أو أن يدافع عنها إذا تعرض لها أحد بالضرب أو الشتم، وإلى آخره من التصرفات الناعمة الصغيرة التي يفعلها الأطفال دون وعي منهم أن هذا التصرف يعد شكل من أشكال التعبير عن الحب. لأن الأطفال وقتها يسيطر عليهم فقط الشعور بالسعادة والطمأنينة في وجود شخصًا ما...ويبدأ الحب في التطور مع الإنسان وتتحور معانيه وتفسيراته. فلا أحد مننا يستطيع وصف حب مرحلة ما بأنه "غير حقيقي" لأن أي إحساس يشعر به الإنسان هو شعور له وجوده ووزنه الحقيقي الذي لا نستطيع انكاره، حتى وإن كان هذا الشعور مرحلي.
فمن سن 9 لـ11 سنة يشعر الطفل بالرغبة في الانفصال عن قرارات الأسرة، والاندماج أكثر مع أصدقائه، ومن سن الـ10لـ14 سنة يميل المراهقون والمراهقات في التواجد داخل مجموعة أصدقاء مشتركة من الجنسين، التي قد تصل في النهاية لسقوط بعضهم في الحب، ومن سن الـ15 لـ19 سنة تصبح العلاقات العاطفية هي أساس حياتهم الاجتماعية، ويتعمقون في بناء صداقات أكثر قوة.
ولكن هذه التقسيمة العمرية لا تعتبر قاعدة ثابتة، فبعض المراهقون/المراهقات يفضلون التركيز على دراستهم واهتمامهم بالرياضة أو أي هواية أخرى.
اصطدام حب المراهقات مع السلطة الأبوية
عانيت في سن المراهقة كالكثير من الفتيات حولي. فكانت قصص التحذير من الحب والوقوع في العشق أكثر ترهيباً من الحروب وأفعال القتل والاغتصاب. الكل يُرهب المراهقات من الحب ومن الجنس: المُعلمات، والتلفزيون، والآباء، وحتى جرذان الأزقة، كلهم يصرخون: احذرن السقوط في فخ الحب واحذرن الاقتراب من الرجال. في المدرسة الثانوية، في وقت الفسحة والحصص الاحتياطية كان يتتبعني الخوف والقلق من القصص الواقعية التي سُردت على ألسنة زميلاتي، كانت حواديت مُخيفة لحد دفعنا لاتخاذ مواقف عدوانية وغير سوية من الجنس الآخر، المُغيّب تماماً عن الحروب الصغيرة التي نخوضها، أملاً في مساحات أوسع من الحرية ومن الالتصاق مع الذات.
وفي تلك المرحلة تعرفت على معنى السلطة الأبوية أو الذكورية وما تخلفه في نفسي من ألم وشعور بالحسرة وقلة الحيلة. فالفِكر الذكوري يمكن أن تتبناه امرأة أيضًا، فهو لست حِكر على الرجال..وهو فِكر يقمع ويسلب الإرادة ويعمل على تقليص مساحات الحرية، مبررًا لهذه الأفعال الشنيعة أنه بدافع الخوف أو الرغبة في فرض الحماية على أسرته وزوجته، أو الدافع هو الحب. بالتدقيق في معنى الذكورية ودوافعها، فستُدرك أن كل هذه الدوافع باطلة وهي فقط تعمل على فرض السيطرة والتحكم بمصائر واختيارات أفراد أقل حيلة لصغر عمرهم واعتمادهم المادي على الآباء.
وذلك الفِكر السائد المغلوط في المجتمعات الشرقية يعود إلى تفسيرات الحب الخاطئة. فالمجتمع العربي يرى أن الحب هو شيء غير واقعي وغير عملي بالمرة، ولكنها مجرد حِجة رخيصة يستخدمها الذكور لاصطياد الاناث..هذه الحِجة ألا وهي "الحب" تخفي وراءها بعبع من رغبته الجنسية الجامحة التي تنوي الفتك بها وبشرف عائلتها بأكمله.. فتفسيرات المجتمع الشرقي عن الحب سيناريو مُوفق لفيلم رعب وليست لتجربة الحب الأول!
المُثير للعجب بأن نفس المجتمع العربي يملك مخزونًا وفيرًا منذ قديم الأزل من المعلقات والأشعار والنثريات تحكي عن الحب والشوق والولع والهجر وألم الفراق والبكاء على الأطلال. فلم أقرأ ذات مرة في توثيقاتهم الأدبية بأن الهدف الأسمى المُستتر خلف كل هذه المشاعر المُركبة هو الجنس!
فوفقًا لرؤية المجتمع الأبوي أن الحب كلمة مطاطية يتلاعب بها الرجل لإشباع غرائزه الشهوانية، فذلك يترتب عليه بأن يصبح ذلك "الحب" من نصيب الرجال فقط. فنجد الآباء يشجعون أبناءهم الذكور بالدخول في علاقات رومانسية في سن المراهقة، بينما إذا فكرت ابنتهم بالتحدث إلي زميلها يُنصب لها أحبال المشنقة. وتبدأ هذه الأفكار المسمومة بالتوارث من جيل إلى جيل، فيصبح من حق الرجل أن يحب ويعشق ويخون ويهجر، وليس حقًا للمرأة بأن تخطر فكرة الحب على بالها، مجرد فكرة
كيف تؤثر السلطة الأبوية بالسلب على النمو العاطفي لدى المراهقات؟
مصادرة الحب وبث الذعر في نفوس المراهقات له تأثيره السلبي الذي يؤثر على نموهم العاطفي في حياتهم المستقبلية.
زعزعة الثقة
تضييق سقف الحريات يجعله أكثرعرضة لنوبات الغضب الشديد والتمرد على كل من حولهم، والشعور الدائم بالسخط وعدم التعاطف مع الأسرة، بل رغبة شديدة في الانسلاخ عنهم. فتعرض المراهقات الدائم للنقد والتجريح بالكلمات يوقظ بداخلهم ثورة غضب وتتحول تدريجيًا إلى شخص عدواني وانطوائي
عدم تقبل الذات
حينما تشعر المراهقات بأن أهلها يحاولون فرض القود على جسمها ومشاعرها، تبدأ تدريجيًا تكوين مشاعر سلبية تجاه نفسها وترافقها تلك المشاعر السامة لفترات طويلة في حياتها أو طوال عمرها وهي لا تدرك من أين تسربت تلك المشاعر لقلبها. يحفز عندها شعور عدم تقبل الذات إلى استجداء العاطفة من أصداقئها أو عدم تصديقها في أنها تستحق الثناء أو أنها بارعة في أي شيء..دائمًا يرافقها الشعور بالخيبة وعدم الاستحقاق
الانجراف في علاقات مؤذية
تؤكد دراسة قام بها معهد الدراسات الأسرية في أمريكا، أن الفتاة التي لديها علاقة آمنة وداعمة مع أبيها هي أقل عرضةً للحمل في سن المراهقة، وأقل عرضةً لأن تصبح نشطة جنسياً في مرحلة متقدمة من عمرها، لأنها تركز على تحقيق أهدافها التعليمية أو بناء علاقة عاطفية حقيقية وغير مضطربة. فكلما كان الأب أكثر عنفًا مع ابنته كلما مالت للانجراف في علاقات عابرة ومؤذية، أو انغلقت على نفسها أكثر خوفًا من الاغتصاب العاطفي وانتهاك مشاعرها
الرغبة في الانتقام
الانتقام هو شعور وليد الغضب وقد يؤدي للانتقام من النفس، فلذلك نجد الكثير من المراهقات تتعمد إلى إيذاء أو جرح نفسها كتنفيث عن احتقانها من خلال جسدها التي تملك السلطة عليه. يصاحب هذه المشاعر بالرغبة في السقوط تدريجيًا والاستسلام للفشل، بل سعي لاثبات عدم استحقاقها لأي مشاعر نبيلة ورغبتها في رد الإيذاء النفسي لأهلها.
ما هي فوائد حب المراهقة؟
الشعور بالحب في وقت المراهقة أمر حتمي ويفيد الإنسان إن تم التعامل مع مشاعره باحترام وعدم التقليل من حجمها أو التشكيك في صدقها بأعين المُحبين المراهقين
التعرف على النفس
في رحلة اكتشاف المراهقات لأجسادهن وأنفسهن المُضجة بالحب لأول مرة، يكتشفن أيضًا نقاط قوتهن وضعفهن، ويتعرفن بشكل أعمق عن ميولهم الجنسية واحتياجتهم العاطفية وشكل الحب التي تستقر إليه نفسها.
القدرة على تحكيم العقل
الخوف من دخول المراهقات في الحب هو شيء غير منطقي، يشبه بالظبط عدم السماح لطفلك للعب في الشارع خوفًا عليه من أن ينبطح أرضًا ويعود إليكِ متسخ الملابس. فتجربة الحب وقت المراهقة تعطي للفتيات قوة على تحكيم عقلهم والتعلم من الأخطاء السابقة وتحديد ما الذي يتناسب معها في المستقبل.
الثقة بالنفس
السماح للمراهقة بالخوض في علاقة حب لأول مرة بعلم أهلها، يكسبها الكثير من الثقة والشعور بالمسؤولية تجاه تصرفاتها ويعطيها الفرصة لتعقل الأمور. فالإنسان الحر يكتسب الكثير من السلوكيات الناضجة نتيجة الوثوق فيه وتحمله عواقب تجاربه الخاصة
معرفة المعنى الحقيقي للحب
حين تمر المراهقات بفترة حب يكن أنضج من غيرهن في تحديد شكل العلاقات المستقبلية التي تود الانخراط فيها. فتعرف الفرق بين الانجذاب الجسدي والصداقة والتقارب والحب والالتزام تجاه شخص آخر دون اللبس بين هذه المفاهيم أو الانزعاج بتداخل وتشابك المشاعر أو الشعور بالوقوف في المناطق الرمادية.
ما هي الطريقة السليمة لاحتواء مشاعر المراهقات؟
ذكر كارل بيكارد في كتابه "المراهقة والوقوع في الحب" بأن معظم المراهقون ينخرطون في مشاعر الحب الخيالية وتكوين مشاريع يكون فيها الحبيب طرف أساسي ولا يهابون الالتزام بتلك العلاقة، وفي أغلب الأوقات تنتهي هذه العلاقات فور التخرج من المدرسة بسبب دخولهم للجامعات وانخراطهم في مجالات واختصاصات مختلفة. ويرى بيكارد أنّ فكّ الارتباط العاطفي بعد المدرسة أمر سهل على طرفي العلاقة لأنّ كلّ واحد منهما سيكون منشغلاً بنمط حياته الجديدة. ولكم ما يجب على الأهل فعله لمداواة جراح الفراق الأول وجعل منه تجربة حقيقية والخروج بدروس مستفادة من الألم
تجنب التعليقات السلبية
عليكم تجنب فقرات الشماتة واستخدام جُمل مثل "مش قولتلك هيسيبك في الآخر" أو "هو أصلًا كان بيلعب بيكي" لأن كل هذه التعليقات لن تفعل شيئًا سوى أنكم ترموا ببناتكم في بقعة سوداء أوسع تبتلعهم وتشعرهم بوحدى وفقدان أكبر
تجنب الاستخفاف بالمشاعر
لا تزيدوا من آلامهم وساعدوهم على تخطي أحزانهم واستعادة اتزانهم النفسي من جديد. قدموا لهم الدعم النفسي اللازم واجعلوهم يشعرون بالحب والدعم بدلًا من الاستخفاف من مشاعرهم البِكر. فهم يدفعون ثمن الخبرة والتجربة التي ستثمر بالنضج العاطفي فيما بعد
توفير مساحة لمواجهة المعاناة
هذه المساحة يمكن توفيرها بعدم الضغط عليهم لحكي كل التفاصيل، وأن تسمعوا باصغاء لمَا هم يودون بالافصاح به. اتركوهم ينغمسون في معاناتهم ويشعروا بالاحباط والحزن والألم، وساعدوهم على استخلاص الحكمة من ذلك الدرس. يمكنكم أيضًا مشاركتهم تجاربكم الشخصية وخيبات أملكم وعلاقاتكم المؤلمة، ولا تتعمدوا التعالي او الفخر بأنكم لم ترتكبوا مثل هذه الحماقات.
عدم فرض قيود جديدة
ابتعدوا عن فرض قيود جديدة أكثر تزمتًا بدافع الحفاظ على مشاعرها من التعرض لخيبات هوى جديدة. فالحياة سلسلة من التجارب وتأتي معها الخيبات التي نستفاد منها. فالحكي عن تجاربك الشخصية أمر مهم، والأهم أن تتركوا لأبنائكم نفس الحق في اختبار الحياة والتعلم منها بطريقتهم الخاصة المناسبة لزمانهم وجيلهم. علاوة على ذلك، أن فرض القيود الجديدة، ستجعلهم ينفرون منكم ويتجنبون الحكي عن أي تطوروات جديدة في حياتهم العاطفية، لأنكم لم توفروا لهم المساحة الآمنة للحكي والمشاركة. فالتسامح والتغاضي في بعض الأحيان عن الأشياء البسيطة التي ليس منها ضرر، واحترام خصوصية المراهقون/ المراهقات يكسبك ثقتهم دائمًا ويجعل من الأسرة الملاذ الأول والأخير. ودور الأب مهم جدًا في تلك المرحلة الحرجة، يقول مايكل أوستن، الأستاذ المساعد في قسم الفلسفة بجامعة كنتاكي الأمريكية، إن علاقة الأب الجيدة بابنته، تكمن في العيش بنزاهة وصدق، وتجنب النفاق، والاعتراف بنواقصه، فيصبح للفتاة مثالاً واقعياً وإيجابياً عن كيفية التعامل مع البشر.
في النهاية أقول إن الحب وإن فشل أو تشككنا في أنه وهم ومجرد خيال، فهذا لا يعطينا الأحقية بمصادرته ومنعه. كل ما علينا فعله هو أن لا نصب الذعر في قلوب صغيرة مازالت تطوق لرؤية الحياة بعدسات وردية حانية.
الكاتب
نورا تميم
السبت ١٦ يناير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا