تسليع المرأة.. ماذا يعني؟ ولماذا يجب أن نوقفه؟
الأكثر مشاهدة
في مسلسل Emily in Paris، كانت إيميلي تعمل في واحدة من شركات التسويق الفرنسية، وفي أحد المرات تصادف وجودها في موقع لتصوير أحد الإعلانات، لتجد الإعلان عبارة عن سيدة تسير عارية بين مجموعة من الرجال على الجانبين فينظرون لها بكثير من الإعجاب والرغبة، ونكتشف معها أن الإعلان ليس عن السيدة ولكن عن العطر الذي تضعه ولم نره.
كم مرة كان الإعلان عن سيارة أو عطر أو شيكولاتة، ووجدت الكاميرا تركز على شفاه أو جسد أو جزء من جسم الفتاة التي تظهر بالإعلان. بات الأمر مكررا للدرجة التي جعلتنا نعتاده، وصار كثيرون يتقبلونه باعتباره أمر طبيعي "غير مُستنكر"، ولم يدرك أحد المردود السلبي الذي يمكن أن يرسخه إعلان كهذا، تعمّد أن يعامل المرأة وكأنها هي السلعة ويساويها بالسيارة أو الشيكولاتة ويقترب من أجزاء جسدها، كما يمكن أن يفعل مع زجاجة برفيوم.
هذا الإعلان وطرق أخرى غيره، ترسخ لما يمكن تسميته "تسليع المرأة" أو تشييئها، بمعنى التعامل معها على أنها ليست إنسان، ولكن اعتبارها شيء أو سلعة، وهو ما تفسره الفلسفة الاجتماعية على أنه سلوك ينزع عن الشخص صفته الإنسانية، وعلى أساسه فقد يُنظر للمرأة على أنها مجرد تجسيد للرغبة الجنسية مثلا، ليست إنسان له مشاعر وآراء.
تشيئ المرأة
يشير علماء الاجتماع أنه يمكن تشييء وتسليع الإنسان والحيوان، وفي فترات طويلة من العصور الماضية كان يتم معاملة بعض الأفراد كأشياء بسبب خلفيات عنصرية لها علاقة بلون الجسد أو العرق، ولكن بات المصطلح متعلق بالمرأة بصورة كبيرة في الوقت الحالي، فإعلانات وأفلام كثيرة أصبحت تعتمد على النساء كوسيلة للترويج.
وتضع الفيلسوفة الأمريكية مارثا نوسبام مجموعة من الأمور التي يمكن على أساسها معاملة الأشخاص كأشياء، وهي:
- اعتبارهم وسيلة أو أداة لغرض معين.
- معاملتهم على أنهم أفراد لا يملكون استقلالهم وليس لديهم الحرية في تقرير مصيرهم.
- الاعتقاد أنهم يفتقرون إلى القدرة على فعل شيء، كأنهم خاملون.
- الاستعداد على أن يتم مبادلتهم مع أشياء أخرى.
- اعتبار أنهم لا يملكون حدود لأنفسهم ولأجسادهم، فمن الممكن انتهاكهم.
- معاملة الأشخاص على أنهم ملكية خاصة، ويمكن التحكم فيهم لدرجة البيع والشراء.
- لا يتم أخذ مشاعرهم وتجاربهم بعين الاعتبار، وكأنها غير موجودة.
وعند استخدام هذا التعبير بتطبيقه على استخدام النساء في الإعلانات التجارية، سنجد أن تسليع المرأة يتم عن طريق استخدامها كوسيلة للتسويق والترويج، وسيعود ذلك إلى النظرة الذكورية بالأساس التي يتم ترسيخها في المجتمع، وتعتمد على تلبية احتياجاته ورغباته.
الذكورية تعتبر المرأة شيء يلبي رغبة الرجل الجنسية فقط لا إنسان له كيانه، وبسبب أن الرجل يمكن استثارته بصريا بصورة أعلى بكثير من المرأة، فيتم مخاطبته باستخدام النساء وأجسادهن ومظهرهن في كثير من الإعلانات التجارية، وكأنه المسيطر على المجتمع، ويجب تلبية الصورة التي يتخيلها. ويمكننا أن نرى أيضا كيف يمكن استخدام المرأة لتحفيز امرأة أخرى على الشراء، فهذا الكريم سيجعلك جميلة ومثالية مثلها، وتلك الصابون ستجعل رائحتك جذابة.. وهكذا.
وفي مشهد المسلسل، الذي ذكرناه في البداية، عندما اعترضت عليه البطلة، وتساءلت كيف يمكن أن يكون إعلان عن عطر نسائي يظهر سيدة عارية سيشجع ذلك النساء على شرائه، واعتبرته متحيزا جنسيا ضد المرأة، فكان النقاش أن كل السيدات يحلمن أن يكن جذابات ومرغوبات، ليكون هذا دليل واضح على النظرة الذكورية للمرأة، التي تعتقد أنها ترى نفسها أيضا جسد أو شيء تتمنى لو كان مرغوبا ومُرضيا للرجل.
التأثير السلبي لتسليع المرأة
إذن، ما الذي يجعل هذه الطريقة في التعامل مع المرأة سلبية؟ وكيف يمكن ألا تقف عند حدود إعلان فقط، إلى نظرة مجتمعية شاملة، نراها في نكات متحيزة جنسيا وأشكال عنف ضد المرأة من تحرش واعتداء جسدي واغتصاب، وأشكال أخرى من التمييز بين الجنسين والاضطهاد الذي تعانيه النساء في مناطق مختلفة من العالم.
تسليع المرأة يساهم في ترسيخ صورة أن كل فتاة وسيدة يتم عزل جسدها أو أجزاء منه أو وظيفتها الجنسية عن كونها كيان كامل ومعقد وإنسان، فيحدث ارتباط بين مظهرها الجسدي وتحقيقها لرغبة جنسية للرجل، ومع ذلك يسود الاعتقاد بأنه يمكن لمسها والنظر على أنها مطمع أو شيء موجود للاستخدام والاستهلاك من قبل آخرين.
هذه الصورة يمكنها أن تخلق كثير من المشكلات النفسية التي تؤثر على صحة المرأة العقلية، وعلى الصورة التي يعاملها بها المجتمع، والتي سيكون لها بالتأكيد تأثير على شكل المجتمع نفسه، فتسليع المرأة يمكنه أن يكون الطريقة التي ترى بها النساء أنفسهن، فتبدأ أفكار مراقبة الذات ومقارنة أجسادهن بما يرونه في الإعلانات والأفلام، وقد يصل الأمر إلى هوس الاهتمام بالمظهر أو التأثير على الصحة العقلية، ويمكننا أن نرى هذا التأثير في:
الخجل والقلق والاكتئاب
بسبب اعتبار الأمر شيء له معايير معينة في المظهر، من الممكن أن تبدأ فتيات وسيدات كثيرات في مراقبة شكل أجسادهن، ومحاولة الوصول للمعايير التي فرضها المجتمع أو أجبرتهن عليها صورة ذهنية خيالية، الأمر الذي قد يُشعرهن بالخجل من أنفسهن، وتتضخم مشاعر العار والخزي، وما ينتج عن ذلك شعور بالقلق الدائم من مظهرهن، والارتياب الدائم من التعرض للتحرش أو الاعتداء والتعرض للإيذاء، فصورتهن المترسخة عن أنفسهن أنهن شيء مستباح، مما يؤدي لاحقا إلى الاكتئاب.
اضطرابات الأكل
بسبب الشعور بالخجل من شكل الجسم، قد يدفع الأمر بعض الفتيات والنساء إلى التعامل مع الطعام بطريقة غير سوية، فيكن لديهن مخاوف منه على اعتبار أنه ما يتسبب في زيادة أوزانهن، فتحدث اضطرابات تناول الطعام التي تؤثر على صحتهن الجسدية أيضا، وتؤدي إلى أمراض مزمنة أخرى.
انخفاض الإنتاجية
ما هو المتوقع من امرأة تشعر أنها "شيء"، وتعلم أن المجتمع لا يعملها كإنسان ولكن كوسيلة، بالتأكيد غضب وبغض وألم وقلق ثم اكتئاب، ففقدان القدرة على التفاعل مع هذا المجتمع، الذي انعدم شعورها بالأمان في ظله، فهي دوما معرضة للإيذاء غير آمنة على سلامتها الجسدية والنفسية، وشعور بالقلق يحاوطها تجاه كل شيء، بالتأكيد، سيكون لذلك كله تأثيره على إنتاجيتها، فذهنها المنصرف نحو الحفاظ على أمنها ووجودها، لن يكون قادر على الاستمتاع بالحياة والتحربة أو الإنتاج في العمل أو الدراسة بنفس الكفاءة، ولن تتأثر بذلك هي وحدها، بل المجتمع والدولة أيضا.
ما نحن أمامه، لم يعد أمرا يمكن التغاضي عنه أو تجاهله، فالتسليع الذي تتعرض له المرأة قد يكون المتسبب في كثير من حالات العنف ضد المرأة في الحياة العامة أو الخاصة، الذي بات اعتباره وباء يجتاح العالم، وهو ما يعني ضرورة الانتباه للصورة التي نرسخها عن النساء في المجتمع.
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ٢٩ يناير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا