مشروع قانون الأحوال الشخصية.. عودة 200 عام للوراء
الأكثر مشاهدة
المحتوى:
بعد انفراد الموقع الإلكتروني لجريدة اليوم السابع بنشر مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي قيل إنه جاء في 194 مادة، لم يمر سوى ساعات قليلة وتم حذف المشروع وتفاصيله، فما أحدثه من إثارة للجدل والضيق والانزعاج عند الي عبرت عنه منظمات المجتمع المدني النسوية والناشطات، ومقارنته بمشاريع قوانين أخرى في بلاد عربية مختلفة، كان كفيلا بتراجع المسئولين عن مسودة هذا القانون.
"ما يلغونا أحسن" كان ذلك هو رد النساء بعد أن انتشرت مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية، التي نشرتها جريدة اليوم السابع بتاريخ 23 فبراير 2020، لكنها لم تعد متاحة الآن بعد أن تم حذفها من الموقع الإلكتروني، وتناولت البرامج التلفزيونية والمواقع الصحفية أهم التغيرات التي يأتي بها مشروع القانون، وتم تداول خبر عرضه على اللجنة التشريعية في البرلمان بعد أن تمت الموافقة على بنوده في مجلس الوزراء المصري، وإحالته للأزهر الشريف ليبدي رأيه في مواده.
وما بين إنكار عرض مشروع القانون على مجلس النواب بعد، ثم حذف المسودة التي انفرد بنشرها "اليوم السابع"، وتردد أخبار لا يمكن التأكد منها عن إحالة المشروع للأزهر الشريف، وظهور الاعتراضات التي تعتبره مشروع يهدف إلى الانتقاص من "أهلية" المرأة ويعود بنا قرون إلى الوراء، ومحاولة التواصل مع نواب البرلمان للتأكد من صحة المعلومات التي يتم تناقلها.. ضاعت الحقيقة التي نحاول معكم البحث عنها.
القانون لم يصل النواب
مع ذيوع الأخبار عن وصول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد إلى مجلس النواب، وكذلك عن إحالته للأزهر، ظهرت التساؤلات عن تفاعل النواب وتعليقاتهم، في حين أوضح لـ "احكي" النائب أحمد الشرقاوي، المحامي وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، أن المشروع لم يتم وضعه على أجندة اجتماعات اللجنة التشريعية المقبلة، وأضاف "مقدرش أناقش مشروع قانون دون الحصول على مسودته".
وكان ياسر منير، وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، قد صرح في مداخلة هاتفية لبرنامج يحدث في مصر على قناة MBC مصر، أن مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية "لم تصل للجنة بعد"، مشيرا إلى أنه في حال وصوله، التي يتوقع أن تكون مع بداية الأسبوع المقبل، سيتم خضوعه للحوار المجتمعي وعقد جلسات مع الأطراف المعنية كافة.
ولم تتمكن تصريحات النواب من وقف السجال حول واحد من أهم القوانين التي ينتظر المصريون كل دورة برلمانية ليتم تعديله أو العمل عل مشروع جديد يراعي تغير طبيعة المجتمع ويتناول الوقائع بما يتناسب مع معطيات الواقع الحالي، ويعمل على تحقيق التوافق بين الأطراف المعنية والعمل على مسايرة مستجدات في شكل الحياة الاجتماعية.
الإبلاغ عن الزيجات المتعددة
أهم ما انتشر عن القانون- أو ما تم تسريبه من المسودة التي صارت غير متاحة الآن- أن مشروع القانون الجديد للأحوال الشخصية يُجبر الزوج على أن يقر بحالته الاجتماعية في وثيقة الزواج، مما يعني ضرورة أنه إذا كان متزوجا فعليه أن يقر باسم زوجته أو زوجاته ومكان إقامتهن في عقد الزواج الجديد ليتم إخطارهن به، وفي حال خالف ذلك، قد يتعرض للحبس مدة لا تزيد على سنة وتقع عليه غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه.
كان انتشار هذه المادة من مشروع القانون بمثابة بشرى على أننا أمام قانون قد يُنصف المرأة ويضع حقوقها أولوية، رغم الهجوم الذي شهدته، فاعتبره الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، "مخالف للشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا"، وفي مداخلة مع برنامج التاسعة على القناة الأولى المصرية، اعتبر أنه حتى مع إقراره فسوف يتم الحكم بعدم دستوريته.
ويتضح أن إجبار الزوج على الإفصاح عن حالته الاجتماعية في وثيقة الزواج أمر ليس بجديد، فتم النص عليه في المادة 11 مكرر في قانون الأحوال الشخصية المعدل عام 1985، ولكن جاء تشديد العقوبة ليكون الإضافة الجديدة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.
200 عام إلى الوراء
مسودة قانون الاحوال الشخصية تلغى الشخصية القانونية للنساء و لاتراهم سوى مكنة تفريخ اطفال???? واطالب الرئيس السيسى بالتدخل...
Posted by Nehad Abo El Komsan on Tuesday, February 23, 2021
ومن بين مواد القانون التي سببت إثارة للجدل، والتي لا يمكن التبين من صحة تواجدها بمشروع القانون من عدمه، المواد التي تنفي عن المرأة أهليتها لعقد الزواج بنفسها، فيُشاع أن المادة السادسة من مشروع القانون تعطي الحق لولي المرأة البكر في فسخ عقد زواجها إذا رأي أنه "غير مناسب لها"، بالإضافة إلى عدم تنظيم القانون لعدد من الأمور المتعلقة بإثبات الدخل والنفقة، مما جعل كثيرون يواجهونه بأنه لم يأت بجديد أو يحل إشكال.
وفي فيديو، نشرته المحامية والناشطة نهاد أبو القصان على صفحتها على فيسبوك تعليقا على مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، أوضحت أنها وجدت مشروع القانون "صادم، وسيئ"، وطالبت الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل لرفض القانون شكلا وموضوعا "لأنه بيأخد مصر 200 سنة لورا، من قبل المحاكم الشرعية"، كما طالبت أن يستخدم المجلس القومي للمرأة صلاحياته الدستورية بوقف هذه المسودة ورفض القانون.
وأشارت أبو القمصان في رفضها للقانون إلى مجموعة من المواد التي تضمنتها المسودة، "فلفسفة القانون لا ترى النساء شخصيات قانونية مستقلة، وتراهم ناقصات الأهلية" وبررت أن القانون ضيّق دائرة التشريع بالعودة لمذهب الإمام أبو حنيفة الذي لا يرى السيدات كاملات الأهلية مهما بلغت مرتبتها الاجتماعية والثقافية أو العمرية حتى، حسلما ترى، فوفقا لمشروع القانون لا يمكن للسيدة أن تبرم عقد زواجها بنفسها إلا في حال كانت متزوجة من قبل.
وأضافت أبو القمصان أنه طبقا لمذهب الإمام أبو حنيفة، الذي يُرجح مشروع القانون اللجوء له في بعض الحالات التشريعية، فإن أي ذكر في العائلة يمكنه أن يمنع المرأة من السفر في خلال 24 ساعة "يستطيع أي حد غيران من نجاحها أن يعمل أمر على عريضة في 24 ساعة ويمنعها من السفر ويوقف حالها، حتى لو كانوا زوجين منفصلين"، وهو ما اعتبرته عودة لعقود ولت وإجحاف في التعامل مع المرأة وانتقاص من حقها في تقرير مصيرها.
وكانت صفحة The Law Hub على إنستجرام، قد أوضحت أن ما تم تقديمه في مشوع القانون لم يأتِ بجديد فيما يخص وضع المرأة في القانون، ورأت الإشكالية في أن هذا المشروع نص على أحقية الولي في تطليق المرأة وهو ما لم يكن منصوص عليه صراحة من قبل، غير أنه يُلزم بالرجوع لمذهب الإمام أبو حنيفة في حين وجود مراجعات فكرية ومذاهب فقهية أخرى واسعة يمكن الاعتماد عليها، أو البحث في المسائل بما يتوافق مع طبيعة ومقتضيات الوضع الحالي.
"القانون الجديد لم يحسم أي مشكلة إجرائية.. ترك إثبات النفقة على الست"، وهو ما اعتبرته نهاد أبو القمصان يزيد من تعقيدات قضايا النفقة "إحنا بقى نلف كعب داير في الأقسام والمحكاكم عشان نثبت الدخل وأعلى تزوير بيحصل في إثبات الدخل والقانون متصداش له"، وذكرت كيف أغفل القانون مشكلات الطرد من منزل الزوجية للسيدة، كما رفع القانون ولاية محكمة الجنح عن قائمة المنقولات الزوجية ونقلها لمحكمة الأسرة "وكانت دي أداة الضغط الوحيدة اللي كانت تملكها النساء عشان تعرف تخرج من الجواز بفرش وغطا مبقاش موجود".
اعتبرت أبو القمصان عدم تمكين القانون الأم من امتلاك ولاية قانونية على أطفالها بأن "القانون بينظر إليها على أنها مفرخة"، في حين راعى القانون تقديم ترتيب الأب في حضانة الطفل من المرتبة الـ 16 إلى المرتبة الرابعة، بينما لم ينظر للأم في الولاية القانونية باعتبارها ذات أهلية كاملة، واعتبر القانون- حسبما تقول أبو القمصان- أنه في غياب الأب تكون الولاية للجد، فالأم لا يمكنها قيد الطفل وقت الميلاد، أو توقيع أوراق تمكنه من إجراء جراحة طبية، أو إصدار جواز سفر له، أو إصدار بطاقة هوية له.
ينتج عن فقدان الأم للولاية القانونية أن يضع الزوجة وأطفالها "تحت رحمة" عائلة الزوج في حال عدم وجوده إما بالتغيب أو السفر أو الوفاة، وقارنت أبو القمصان تعامل مشروع القانون المقترح مع المرأة بقوانين بلاد عربية أخرى، ففي المغرب "الولاية حق للمرأة"، وكذلك في السعودية التي تقدم مشروع قانون عن الأحوال الشخصية "متقدم ومستند لآراء فقهية مستنيرة" كما رأته أبو القمصان
"المرأة في مصر تستطيع عقد وإدارة اتفاقيات دولية، لكن لا تستطيع إدارة حياة طفل تلده" ختمت نهاد أبو القمصان تعليقها حول مشروع القثانون معتبرة أنه لم يقدم أي حلول إجرائية، ولم يتوافق مع "التغني" بتجديد الخطاب الديني على مدى السنوات الأربع الماضية، وقالت "إحنا حافظنا على وضع كان قائم منذ قانون 1925، ورجعنا بمواد أسوأ ترجعنا 200 سنة"، وناشدت التراجع عنه وتشكيل لجنة بجميع الأطراف المعنية وكل الخبراء المعنيين في كل شئون المجتمع لوضع مشروع قانون متوازن مع دراسة قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية الأخرى.
أهم مواد مشروع القانون
وكان المشروع تناول أيضا الخطبة والزواج والنفقة والطلاق والحضانة، وأهم ما تمت مناقشته والإشارة إليه هو محاولة مواجهة خطف الأطفال والسفر بهم للخارج، فاقترح مشروع القانون أنه لا يجوز تغيير اسم المحض أو سفره للخارج بمفرده أو برفقة الحاضن إلا بموافقة موثقة من غير الحاضن من الوالدين، ويتم اللجوء لمحكمة الأسرة في حال تعذر ذلك.
نقل مشروع القانون ترتيب الأب في حضانة الأطفال من المرتبة الـ 16 للمرتبة الرابعة بعد (الأم- وأم الأم- وأم الأب- الأب- الأخوات الشقيقات ثم الأخت للأم فالأخت للأب- الخالات- بنات الأخت- بنات الأخ- العمات- خالات الأم- خالات الأب- عمات الأم- عمات الأب- العصبيات من الأب بحسب ترتيب الاستحقاق في الإرث- الجد لأم- الأخ لأم).
عمل المشروع على تنظيم الاستضافة بالشكل الذي يسمح ببقاء الطفل مع الأب أو طالب الحضانة من الثامنة صباحا وحتى العاشرة مساء، بعدد ساعات لا يقل عن 8 ساعات ولا يزيد على 12 ساعة، كما يمكن مبيت الطفل بحد أقصى يومين كل شهر، ويجوز أن تصل لـ 7 أيام متصلة كل سنة، مع التأكيد على أنه لا يجوز الجمع بين الرؤية والاستضافة في نفس الأسبوع.
في حالة امتناع الطرف الحاضن للطفل عن تنفيذ حكم الرؤية أو الاستضافة يتم إنذاره من قبل القاضي، وفي حال تكرار الأمر يجوز للقاضي أن يقوم بنقل الحضانة مؤقتا إلى من يليه من أصحاب الحق مدة لا تتجاوز الشهرين، كما يجوز طلب الرؤية إلكترونيا.
وشدد القانون عقوبة كل من زوّج أو شارك في زواج طفل لم يبلغ الـ 18 عاما وقت عقد الزواج، لتصل إلى الحبس سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، كما تم تشديد العقوبة لتصل إلى الحبس وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين لكل وصي أو قيم أو وكيل امتنع عن تسليم أموال أو أوراق القاصر أو المحجور عليه أو الغائب لمن حل محله في الوصاية أو القوامة أو الوكالة.
أما في حالة امتناع المستضيف، عن عمد، عن تسليم الطفل إلى الحاضن بعد انتهاء مدة الاستضافة بقصد حرمان الحاضن من الحضانة، فيتم معاقبته بالحبس مع الشغل مدة لا تقل عن ستة أشهر، وتلزمه المحكمة بتسليم الطفل للحاضن وسقوط الحق في الاستضافة طول فترة الحضانة.
ومع عدم تبين حقيقة مناقشة مشروع القانون داخل مجلس النواب من عدمه، يظل ما تم تسريبه حتى الآن مثيرا للجدل ولم يرض عنه أي من الأطراف، فما رأته ناشطات "ظالم ومقصرر في حق المرأة"، اعتبره محامون "قانون نسوي" ولا يراعي سوى السيدات والأمهات.
الكاتب
احكي
الجمعة ٢٦ فبراير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا