خدعة التسويق الهرمي.. لا ثروة ولا استثمار حقيقي
الأكثر مشاهدة
من منّا لم يجلس مع أحد معارفه ليخبره بفكرة جديدة ستجعله يجني مال وفير في وقت قصير ودون مجهود، فيقنعه أن يحاول شراء سلعة أو خدمة وأن عليه أن يجلب آخرين لشرائها ليحصل على عمولة مقابل كل شخص جديد يشتري هذه السلعة، تبدو طريقة جيدة ولكننا ببساطة كنّا ضحايا خدعة التسويق الهرمي.
بالنسبة لي، تعرضت لمحاولة ضمي لفكرة التسويق الهرمي مرتين، الأولى حين كنت في الجامعة، حاول أحد الزملاء أن يقوم بإقناعي بشراء منتج جديد بمبلغ 500 جنيه تقريبا، يمكنه أن يجلب لي آلاف الجنيهات ويمكنني خلال أسابيع استعادة ثمنه وأكثر. المنتج- حسب وصف- هو جهاز مساج يعمل على علاج الأمراض المزمنة، ويمكننى شراؤه دون استخدامه واعتباره رأس مال للاستثمار، فالمهم هو أن أقنع آخرين على الشراء، وأصبح على رأس هرم أي شخص تحته يقوم بشراء المنتج أحصل على عمولة، وقتها رفضت كوني لا أملك المبلغ من الأساس.
بعد أشهر قليلة، سمعنا بإغلاق الشركة التي حصل منها زميلي على المنتج وصارت مثل مكان مجهول، وكل من اشترك في تسويق منتجاتها صار لا يعلم ما هو مصيره؟ المرة الثانية كانت بعد التخرج، حاول أحد المعارف إقناعي وأختي وأخي بالاشتراك، موضحا أن الشركة باسم Q Net، وأنها قائمة على بيع أي منتج عن طريق الأشخاص دون أي دعاية من أي نوع، تذكرت حينها ما حدث مع زميلي في أثناء الجامعة، فأخبرناه بعدم رغبتنا في الاشتراك.
يبدو أنني نجوت من خدعة التسويق الهرمي، لكن في الواقع هناك آلاف أخرون وقعوا تحت تأثير القدرة على الإقناع والإيهام بتحقيق ثراء غير متوقع في وقت قصير، ليكتشفوا بعدها أنهم خسروا أموالهم ولم يحصلوا على منتج له فائدة أو استخدام حقيقي، كما قد تتسبب محاولاتهم في إقناع آخرين مثل المعارف والأصدقاء على خسارة هذه العلاقات بسبب أن النتيجة تساوي صفرا، فلا مال ولا منتج مفيد ولا عمولات، والتسويف هو دوما الطريقة لإجبارك على الاستمرار.
ما هو التسويق الهرمي
من الممكن أن أكون قد بينت مفهوم التسويق الهرمي من خلال تحربتي الشخصية، ولكن بشكل أكاديمي علمي أو تجاري، يمكن اعتبار التسويق الهرمي Pyramid scheme أنه نموذج عمل قائم على فكرة تجنيد الأفراد بهدف الاستثمار، فأي فرد جديد يقوم بالاستثمار عن طريق شراء سلعة أو منتج ما، مع وعده بأن يكون جلبه لكل فرد تحت مظلته يساوي عمولة بنسبة معينة، بخلاف حصول الأشخاص على قمة الهرم على نسبة هم أيضا، ليبدو أن الأمر مربح دون عمل أو مجهود.
من الممكن أن يقتصر الاستثمار على عضوية في الشركة أو المنظمة التي تدير فكرة التسويق الهرمي، وتكون كل عضوية جديدة يأتي بها الفرد هي عمولة جديدة في حسابه، ثم العضويات الجديدة التي يأتي بها الافراد الذين أتى بهم يتحصل منها على نسبة عمولة أيضا.. وهكذا، مما يجعل في النهاية من الصعب حساب نسبة الربح وإمكانية تحقيقه.
يُرجع كثيرون فكرة التسويق الهرمي إلى الإيطالي الذي هاجر إلى الولايات المتحدة تشارلز بونزي، الذي تم وصفه كأحد أكبر المحتالين في العالم، ولد في إيطاليا في 3 مارس 1882، وتوفي في البرازيل في 18 يناير 1949. يمتلك بونزي مسيرة من الاحتيال بدأت مع عمله كنادل في أحد المطاعم وحتى وظيفته ببنك للاستثمار العقاري في كندا، ثم قراره بالعمل في كوبونات الطوابع البريدية.
جنى بونزي الملايين من خلال خداع الكثيرين، فأوهمهم بالاستثمار في كوبونات الطوابع البريدية، عن طريق شرائها من بلد عملتها ضعيفة وبيعها في بلد لها عملة قوية، مما يعني ربح بأكثر من 50% في خلال 45 يوما فقط، وبدأ كثيرون يقبلون على شراء الكوبونات، ولكن لا توجد كميات كافية منها لتغطي عدد الراغبين في الاستثمار، فبدأ يقنعهم بضرورة جلب مستثمرين جدد لقائمتعهم حتى تكون نسب العمولات والربح أكبر، وبدأ يسدد الربح للمستثمرين من خلال استخدام أموال المستثمرين الجدد دون وجود فعلي للمنتج الذي يستثمرون أموالهم به.
استطاع بونزي أن يمتلك الملايين التي جعلته يشتري أسهما لبنك هانوفر وتمكن من أن يصبح الرئيس التنفيذي للبنك، ولكن حيلته لم تستمر طويلا، فكشفت صحيفة "بوسطن بوست" مخطط تشارلز يونزي، وتم القبض عليه والحكم بقضائه تسع سنوات في السجن، ولكن حتى مع وفاته ومرور قرن تقريبا على حيلته، ما زالت فكرته في جني المال السريع دون مجهود تلقى الاستمرارية والباحثين الجدد عن الثراء، وصار التسويق الهرمي أو الاحتيال الهرمي يُعرف باسمه "مخطط بونزي" و "سلسلة بونزي".
عيوب التسويق الهرمي
قد يتساءل كثيرون عن المشكلة الحقيقية للتسويق الهرمي، أو أين تكمن الخدعة والاحتيال، وقد يرى آخرون أنه طالما سأجني المال، فما المشكلة؟ التسويق الهرمي تم منعه وتجريمه في أغلب البلدان حول العالم، وكثيرا ما يتحايل أصحابه بتسميته بالتسويق الشبكي أو التسويق متعدد الطبقات، او حتى اعتماد فكرة البيع المباشر بين الأفراد دون دعاية أو وسيط.
فكرة التسويق في حد ذاتها والحصول على عمولة مقابل كل عملية شراء لا يعيبها شيء وأمر محمود ومتعارف عليه تجاريا، ولكن ما يفعله التسويق الهرمي هو أن تكون مجبرا على الشراء والدفع أولا حتى تقوم بالتسويق ثم الحصول على العمولة، ومن الممكن أن تضع الشركات التي تعمل بنظام التسويق الهرمي اشتراطات لتلقي العمولة، فلا يقتصر الأمر على إقناعك لشخص بالشراء، بل قد يتطلب إقناع شخصين على كل واحد منهم أن يجلب شخصين آخرين لتنال عمولتك، التي تكون نسبتها ضئيلة بالفعل ولا تتعدى الـ 5 %.
غالبا، ما تروج شركات التيويق الهريم وتعرف نفسها بأنها شركات عالمية، وتعتبر الأشهر والأكثر قدرة على الاستمرار رغم فضح كل ممارساتها في كل بلاد العالم، هي شركة Q Net، التي كان يُطلق عليها اسم Quest Net أو Gold Quest، فيعود إنشاؤها لعام 1998 في هونج كونج واستطاعت أن تمتلك وكلاء محليين في بلاد مختلفة دون أن تتأثر بكشف احتيالهم والقبض عليهم، لدى الشركة موقع إلكتروني وتوضح أنها قائمة لى التجارة الإلكترونية عن طريق البيع المباشر لمنتجات وخدمات عالية الجودة.
الواقع يخبرنا أنه لا خدمات ولا منتجات فعليه لها قيمة، فهي إما مزيفة أو مقلدة عن منتجات موجودة بالفعل، فما تسعى له الشركة ليس بيع المنتج وتحقيق الأرباح، وإنما تجنيد مزيد من المستثمرين الذين يعتقدون أنهم يدفعون مبلغ زهيد لن ينتقص من ميزانيتهم الكثير، وبهذا تستهدف دوما الأشخاص أصحاب الدخول المتوسطة والمتواضعة والطلاب، وإيهامهم أنهم يمكنهم أن كونوا أثريا عن طريق مجهود بسيط قائك على دفع مبلغ بسيط لشراء منتج ثم جذب آخرين لقائمته، مما يجعل انتشار الفكرة أسهل وأسرع.
عيوب هذه الطريقة في التسويق متعددة، ولكن يعتبر أهمها:
النهاية هو الانهيار
لن تتمكن الشركات التي تعتمد على التسويق الهرمي من مواصلة حذب المستثمرين الجدد واستخدام أموالهم في جني الأرباح، فالمصير في النهاية هو الانهيار لعدم القدرة على تسديد العمولات التي تم الوعد بها، وفور حدوث ذلك، يقوم أصحاب الشركات بالهرب أو الاختفاء وفي أفضل الأحوال يتم الإيقاع بهم ومساءلتهم قانونيا.
عدم وجود منتج حقيقي
استمرار أي عمية استثمار قائمة على وجود منتج قوي وعجلة إنتاج مهتمة بتوفير هذا المنتج وتطويره، ولكن شركات التسويق الهرمي هدفها هو جمع المال دون عائد حقيقي مفيد للمستهلكين والمستثمرين، فالمنتج هو مجرد وسيلة لجذ الافراد ليجذبون تحت قائمتهم أفراد آخرين، وبسبب ذلك يتعرض المستثمرون لخسارة فادحة، فلا هم قادرون على الحصول على العمولات ولا استفادوا بالحصول على منتج يحتاجونه.
مستفيد واحد فقط
رغم الفكرة البراقة للثراء السريع التي يحاول التسويق الهرمي أن يروجها، فتحقيق هذا الثراء لا يحدث سوى للرؤوس الكبرى وملاك الشركة أي رأس الهرم، فالأموال تصب جميعها لصالحهم، في حين تبقى قاعدة الهرم التي تمثل شريحة أكبر من الأشخاص تدفع دون أن تجد المقابل لما يعتبرونه استثمار.
ضرر اقتصادي ومالي
انتشار فكرة التسويق الهرمي واتجذاب الكثيرين لها يقتل القطاع الاقتصادي والتجاري، فميل الأفراد للحصول على المال دون وجود منتجات أو استثمارات حقيقية، سيؤدي إلى توقف قطاعات صناعية أو التأثير على الناتج المحلي الإجمالي لبلد معين، كما أنها قد تؤثر على مدخرات الأفراد في البنوك مما يدمر النظام المالي الذي تبنيه الدول.. ويسعى كثيرون من أصحاب أفكار التسويق الهرمي إلى إفساد صورة النظام المالي للدولة بوصفه ظالم وغير عادل ليقنع الأشخاص بسحب مدخراتهم منه وإلحاقها بهذه الشركات
يفسد الاستثمار
الاستثمار الحقيقي يكون قائم على فكرة المنتج أو الخدمة التي يتم تقديمها، ومحاولة تحقيق الربح من انتشارها والعمل على تطويرها ليسفيد منها ويستخدمها عدد أكبر من الناس، ولكن ما يحدث مع التسويق الهرمي هو جمع للأموال والإيهام بتوزيع الأرباح من خلال أموال المستثمرين الجدد أو من يتم تجنيدهم داخل الهرم حديثا، ولكن دون قيمة فعلية للمنتج أو وجود له من الأساس، فيكون إما مقلد أو مزور أو لا يؤدي وظيفة مهمة، فقد يكون ساعة لتوازن الجسم أو جهاز مساج، فهو ليس الهدف على الإطلاق.. المهم جمع المال.
غير شرعي
التسويق الهرمي مجرم وغير شرعي كثير من البلدان حول العالمن مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنس وألمانيا وتركيا وأستراليا وإيطاليا وإسبانيا والصين واليابان والسعودية، وذلك حتى لا يُفسد المجال الاقتصادي والسياسي، ومنع استخدامه للتأثير على القرارات السياسية والتجارية، ولكن هذا لا يمنع تحايل كثير من الشركات باستخدام مصطلحات "البيع المباشر" أو "التسويق متعدد الطبقات" أو التسويق الشبكي لنفي تهمة الاحتيال عنهم.
خدعة التسويق الهرمي أنه يوهمك بإمكانية تحقيق الثراء من خلال عمولات نسبتها ضئيل وغير منطقي، ومع منتج لا قيمة تنافسية له على الإطلاق وغير مفيد، الوقوع في هذه الخدعة من السهل أن يحدث لأي منّا، ولكن معرفة آليات الاستثمار الحقيقي يمكنها أن تجعلك قادر على التفرقة وحماية أموالك.
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ٣٠ أبريل ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا