”جرح الأم” أو كيف تتعقد العلاقة بأمهاتنا وتؤثر علينا؟
الأكثر مشاهدة
المحتوى:
ما هو تعريف جرح الأم أو The Mother Wound؟
من الأشخاص الذين يتأثرون بجرح الأم؟
لا يقتصر جرح الأم على البنات
كيف يمكن التعامل مع جرح الأم؟
"علاقتي بماما معقدة جدًا، بكره تصرفاتها وبخاف عليها، بحبها بس مقدرش أكون في مكان واحد معاها لمدة طويلة.. طول الوقت فيه شد وجذب وإحساس بالذنب علشانها ومنها، خصوصًا وإني واعية للي بيحصل بس هي مش مدركة اللي اتعرضتله واللي نقلته ليا" تحكي إيمان (اسم مستعار) -26 سنة- عن علاقتها بوالدتها التي تدين لها بالكثير من الفضل في تربيتها، وترجع لها الكثير من الآلام في نفس الوقت، آلام ورثتها الأم عن أمها ونقلتها إلى ابنتها، وقد تكون جذورها أقدم وأعمق في العائلة، وهي الآلام والصدمات التي يطلق عليه الطب النفسي الحديث مصطلح جرح الأم أو Mother’s wound، والتي تظهر في الابنة أو الابن وتؤثر بشكل كبير على صورتهم الذاتية أمام أنفسهم، وتفاعلاتهم مع الآخرين.
ما هو تعريف جرح الأم أو The Mother Wound؟
مصطلح جرح الأم ليس متداولًا بشكل كبير في عالمنا العربي، وفي الأغلب لن تسمعيه في جلسة نفسية أو كتشخيص من طبيبك النفسي، لكنه عامل مؤثر في تفاعلاك وعلاقتك بنفسك وبالآخرين، وكثيرًا ما يكون سببًا بشكل أو بآخر في الأنماط السلبية أو غير الصحية في التعامل مع المحيطين بك.
ويشير المصطلح إلى الأم الحاضرة جسديًا في حياة طفلتها (في كثير من الأحيان تكون الابنة هي المتأثرة الكبرى) أو طفلها، وغائبة عاطفيًا، أو تُلقي بأعبائها النفسية على كاهل الأطفال بدون وعي لذلك، أو تحاول قمع تصرفاتهم من أجل تحقيق التناغم –الذي تتصوره- مع المجتمع وتقاليده، حيث أن المجتمعات الأبوية تجعل النساء أكثر عرضة لنقل المعتقدات المقيدة للمرأة، بوعي أو بغير وعي إلى بناتهن وكبت رغباتهن، وقد تجد الفتيات أنفسهن عالقات في معضلة إما تقبل ما تؤمن به أمي حتى نكون في نفس القارب وتستمر في محبتي، أو أناضل في الاتجاه المخالف وأخسر أمي.
تقول إيمان: "ماما كبرت في بيت جاف جدًا بيعتبر توفير الأكل والشرب للأولاد حب، إنما مفيش ملامح تانية زي الاهتمام والأحضان والكلام الحلو، فلما كبرت وبقت أم اعتبرت إن ده الأساس، ورغم إنها أقل حدة في التعامل من جدتي مثلًا، لكن دايمًا لما بنعترض على ده ونطلب معاملة أحسن، بتقولنا هي اتحملت قد إيه وإنه ده الطبيعي وهي غلطت لما دلعتنا وخلتنا نتكلم كده."
من الأشخاص الذين يتأثرون بجرح الأم؟
يقول المتخصصون النفسيون إن الأطفال (البنات عادةً، ولكن في بعض الأحيان الأولاد أيضًا) يعانون من جرح الأم إذا كانت والدتهم:
- لا تبدي التقبل الكامل لهم ولا تظهر الاستحسان لتصرفاتهم.
- لا تقدم الدعم العاطفي مطلقًا أو بشكل جزئي.
- حادة في التعامل ولا تتقبل الأخطاء.
- تلقي اللوم عليهم في أية مصاعب واجهتها في الحياة أو أية تضحيات قامت بها من أجلهم.
- تشعرهم بالمسئولية تجاهها وأنه من واجبهم خدمتها ورعايتها وتلبية رغباتها.
- تُفرق في معاملة الأبناء، وتنحاز إلى المتميز منهم على حساب الآخرين.
- تبحث عن المثالية، وترغب أن يقوم أولادها بتطبيق أفكارها وتصوراتها.
- مشغولة وغير متواجدة في حياة أطفالها بشكل كافي عاطفيًا.
وتأثير ذلك يظهر في قلة احترام الذات وتقديرها لدى هؤلاء الأطفال، ويكبر معهم فيشعرون أنهم غير مستحقين لعلاقات إيجابية وصحية لأنهم دائمًا مقصرين في شيء ما. كما يشعر الأفراد المصابون بجرح الأم دائمًا بالنقص والافتقار إلى قدرتهم على التواصل مع الآخرين، بينما لديهم أيضًا مشاعر متجذرة حول الحاجة إلى الكمال والسيطرة. ونظرًا لذلك فإن جرح الأم، إذا لم يلتئم، فإنه يساهم في خلق أنماط من العلاقات الاعتمادية على الآخرين، لأن الشخص لا يشعر بكفايته أو بقدرته.
"لقيت إني لما كبرت بقيت أنا كمان بدور على مثالية مش موجودة، وطول الوقت حاسة بالتقصير والشعور بالذنب، تجاه دراستي وشغلي، وتجاه ماما إنها مرت بأوقات صعبة كتير، وتجاه أي حد بكون في علاقة معاه لأنه مستحملني ولأني طول الوقت بحتاج تأكيد إني كويسة وماشية صح.. طول الوقت حرفيًا."
لا يقتصر جرح الأم على البنات
يمكن أن يعاني الأولاد والبنات على حد سواء من جرح الأم، الذي هو ليس تشخيصًا نفسيًا محددًا - على الرغم من أنه يمكن أن يكون مؤلمًا للغاية ومؤثرًا بشكل كبير- لكن في الغالبية من الحالات يظهر أثره على البنات خصوصًا.
وتوضح نظرية التعلق الخاصة بعالمة النفس ماري أينسوورث، أن الثقة التي تغرسها الأم في الطفولة تؤثر بشكل إيجابي ليس فقط على حاضر الطفل، ولكن أيضًا على علاقاته المستقبلية، بمعنى أن الطفل الذي يصاب بجرح الأم من المرجح أن يديم هذا النوع من العلاقة مع أطفاله إذا لم ينتبه للأمر ويعمل عليه بشكل واعي.
"الشعور بالذنب وصلني لمرحلة إني انعزلت عن الناس، وحياتي كلها اتأثرت بشكل سلبي طبعًا، فلجأت لدكتور نفسي شخصني باكتئاب، ومع الرجوع للماضي وربطه بالحاضر وتفكيك طريقتي في التعامل مع نفسي ومع الناس، ظهر بوضوح تأثير ماما عليّ، خصوصًا وإني لغاية دلوقتي بتأثر برأيها أضعاف ما بيحصل مع أي حد تاني."
كيف يمكن التعامل مع جرح الأم؟
الشفاء من جرح الأم هو توازن بين الاعتراف بالمشاعر السلبية مثل الغضب والاستياء، والاعتراف بأننا قد نحتاج إلى مسامحة الأم. في حين أن البقاء غارقين في المشاعر السلبية قد يجعلنا نشعر بأننا على حق مؤقتًا، فإننا على المدى الطويل نخسر في الواقع، وهناك بعض الخطوات التي يمكنها المساعدة في التئام جرح الأم، وهي:
- التعبير عن الألم: اسمح/ي لنفسك بإخراج كل ما شعرت به كطفل/ة، النبذ والتجاهل والسخرية أو أيًا ما كان، يمكنك الحديث مع طبيب نفسي و/أو استخدام التدوين والكتابة.
- حب ذاتك وتقديرها: يجب أن تدرك/ي حقيقة أن والدتك لم تكن قادرة على بناء صورتك الذاتية بطريقة إيجابية، وهذا ليس خطؤك، لذلك من المهم ترك تلك الصورة والتخلي عنها ومحاولة استبدالها بأخرى أكثر احترامًا وتقديرًا لنفسك.
- تنمية الوعي الذاتي: نحتاج جميعًا أن نتعلم كيف نتواصل مع عواطفنا ومشاعرنا بدون تشويش، لأنها الخطوة الأولى للتعامل مع الشعور.
- الرعاية الذاتية: اهتم/ي بنفسك بشكل مادي ومارس الرعاية الذاتية من خلال قضاء وقت جيد مع الأصدقاء، والاهتمام بالحياة الصحية السليمة، فذلك يزيد مستويات الرضا عن النفس.
- التقبل: الاعتراف بالمشاعر يخلق مساحة من التحرر يمكنها أن توصلك للتقبل والتسامح والوصول لشكل جيد في علاقتك بوالدتك من خلال التعرف عليها ومحاولة فهم وتقبل ما مرت به كذلك.
- طلب المساعدة: في بعض الحالات يكون التأثير أعمق على تفاعلات الأشخاص مع الآخرين وعلى تواصلهم مع أنفسهم ونظرتهم لذواتهم، إذا كنت/ي تشعر/ين بذلك فيجب طلب المساعدة من متخصص نفسي.
وهو ما تحاول إيمان تحقيقه بالفعل من خلال مجهودها بصحبة الطبيب النفسي، فتقول: "أنا وماما عندنا آلام وصدمات موروثة، لكني مختلفة عنها لأني بحاول أفهم نفسي وأفهمها."، ولذلك تذكروا أن الأمومة أمر شاق، وأن الوعي النفسي مهم وغيابه قد يكون مدمرًا في بعض الحالات، ولهذا لا تترددوا في التعبير عن أنفسكم إذا كنتم تشعرون أن علاقتكم بوالدتكم أثرت بشكل سلبي على حياتكم، ولا تترددوا في خطوة المساعدة النفسية، فيمكنها أن تفك الكثير من التشابكات.
الكاتب
ندى بديوي
الخميس ١٣ مايو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا