التمييز الطبي ضد النساء.. الألم ما هو إلا ”دلع”
الأكثر مشاهدة
في جلسة مع مجموعة من الصديقات، جذبنا الحديث نحو يوم ولادتها، وحكت كيف تعاني من آلام مخاض حقيقية وقاسية، ولكن الغريب كان هو رد فعل الممرضات، اتهمنها بالمبالغة، وطالبوها بالسكوت "مكنتيش بتصوتي كده ليه وقت ما.." في إشارة إلى إيحاءات جنسية عن العلاقة الحميمة مع زوجها، بدا الأمر بالنسبة لي غير مفهوم ومربك، ما هو السيء في تعبير سيدة تجلب طفلا إلى الحياة عن شعورها بالألم.
بعدها بأسابيع قليلة، صادفت منشور في إحدى المجموعات التي تضم نساء فقط على "فيسبوك"، يتحدث كيف تعامل الطبيب مع شكواها باستهتار، تارة يحدقها بانها تبالغ والأم لا يستحق كل ذلك، وأخرى يتهمها بـ "الدلع"، وكي يزيح عن نفسه العبء يخبرها أنها ربما مرهقة نفسيا، لتكتشف في النهاية أنها تعاني من السرطان.
قصص عن العنف الطبي
اظلت هذه القصص تظهر بشكل عام على صفحات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك أو تويتر، وكانت أغلبها تتفق على أن شكواها من أي عرض تواجه في أغلب الأحوال التهكم والسخرية أو محاولات التقليل من الأمر واعتباره مجرد "حركات ستات"، ففي تعليقات على سؤال الكاتبة غادة عبد العال على صفحتها الشخصبة على فيسبوك "متهمات بالهيسترية- كيف يتعامل الطب مع النساء في مصر"، حكت السيدات والفتيات عن تعرضهن لكثير من المواقف المشابهة.
ذكرت ندى الشبراوي في تعليقها كيف هو رد فعل الدكتور عندما أوضحت له الأعراض، فكانت تعاني من آلام شديدة في البطن ووجدته يسألها عن الحمل واحتمالية إقامة علاقات جنسية، لتكتشف بعدها أنها كانت تعاني من انفجار كيس فوق المبيض سبب لها الالتهابات، بينما اكتشفت سهيلة عمار أنها كانت مريضة سرطان والورم متركز في الغدة الدرقية، ولكن الطبيب قرر أن أعراض الاختناق الليلي وعدم الاتزان أو التركيز والإغماء وارتفاع درجة الحرارة هو "حالة نفسية"، دون أي محاولات لعمل التحاليل، فيخبرها الأطباء ساخرين "بتدلعي على العريس؟!".
وأحيانا يتطوع الأطباء ليثبتوا لأزواج المريضات أنهن مبالغات ويجب أن يكون "شديد معاها"، فتقول لمياء شاهين إنها كانت تعاني من فطريات في الأذن سببت لها ألم قوي، ومع ذهابها للطبيب الذي اعترف بوجود الفطريات بالفعل وخطورتها، خاصة أنها كانت حامل في شهرها السابع، وجدته يلتفت لزوجها ويخبره "الموضوع مش مؤلم خالص وعادي، مش كل ما تتوجع تقولك وديني للدكتور.. الستات زمان ولا كانت بتتابع وآخرهم يروحوا الصحة.. كفاية مصاريف".
تصميم الأطباء على أن وسام علاء "بتدلع وبحب الأكل" أجل خطوة علاجها للمرض الفعلي عشر سنوات، فمع كل زيارة للطبيب مع تحاليل تثبت أن الغدة الكظرية تعاني من خمول "الدكتور يبص على التحاليل ويقولي أنه النسبة مش مؤثر قوي، وأني معنديش إرادة ولازم أبطل أكل" حتى صادفت طبيبة أخبرتها الكلام المحفوظ عن الإرادة "لغاية ما شافت التحاليل وبان على وشها الرعب"، وأخبرتها أن الأمر كان واضحا أنه يتعرض للتدهور على مدى العشر سنوات الماضية، فصارت وسام الآن بعد أن تعطلت غدتها الدرقية أيضا عن العمل، معتمدة بشكل كامل على أدوية المناعة والفيتامينات، وصار لديها قناعة "أنا بكره الدكاترة.. بسببهم أنا عيانة ومش عارفة هخف إمتى وإزاي؟".
وبسبب تجاربها السيئة المتكررة مع الأطباء، صارت رانيا خالد تترد كثيرا قبل أن تُقبل على الذهاب إلى الطبيب "وبحس بالذنب جدل لو تعبت واضطريت أروح مستشفى ويطلع الموضوع بسيط.. واحاول أثبت للدكاترة والممرضين أني مش بتدلع"، وتكرر الأمر مع ابنتها وتم نعتها بأنها "أم متدلعة" للاعتقاد بانها تبالغ في تشخيص حالة ابنتها لدرحة أن حالة الابنة الصحية ساءت كثيرا.
القصص لا تنتهي، وتحمل في طياتها كثير من الاستهزاء والاستسهال غير المبرر، مرة يخبرون الأب أو الأم "بنتكم بتدلع عليكم.. تلاقيها عاوزة تتفسح مع أصحابها وبتعمل حركتين"، أو يوجهون حديثهم للزوج "ما تخرجها وأكلها حاجة حلوة، المدام شكلها متضايقة شوية"، وكأن الفتاة أو السيدة لا كيان لهم ولا معنى لشكواهم، فهن متوهمات يعشن في ضلالات.
التمييز بين الجنسين في رعاية المرضى
السؤال هنا، هل يحدث هذا مع أخريات في أماكن مختلفة حول العالم؟ وما الذي يدفع الأطباء إلى الاعتقاد بأن السيدات يحاولن لفت الانتباه؟ هل الامر متعلق بالاستسهال أم لها أبعاد متعلقة بالتمييز ضد النساء، خاصة وأنني لم ألاحظ تعليقات وقصص مشابهة من الرجال.. الأخطاء الطبية واردة بشدة، ولكن اجتماع صاحبات هذه القصص على سماعههن لنفس الكلمات والتعليقات، يشير إلى أن هناك شيء ما.
قاتني الصدفة نحو مقال عن التمييز غر المقصود بين الجنسين في رعاية المرضى على موقع Duke Health التابع لجامعة ديوك في ولاية كارولينا الشمالية، التي تعتبر من أقدم الجامعات الأمريكية، وتسرد لإيملي بولسن للمشكلة التي اعتقدت أنها حالة مصرية أو عربية فقط.
السؤال موجه للبنات فقط، هل حصل إنك رحتي لدكتور من أي تخصص بشكوى معينة و هو مهتمش أو dismissed الشكوى ديه و قالِك انتي بتتدلعي؟
— Abdelrahman. (@Abdlrahmanhadad) June 30, 2021
فتذكر في مقالها إن السيدات يشعرن بالتحيز الجنساني، فكما رصدت مجلة Today في دراسة استقصائية عام 2019، ظهر ان أكثر من نصف النساء يعانين من التمييز في رعاية المرضى، وقالت واحدة من بين كل خمس سيدات إنها شعرت أن مقدم الرعاية الصحية قد تجاهل الأعراض التي تشعر بها، واعتبرت 17% من السيدات أنه تمت معاملتهن بطريقة مختلفة كونهن إناث.
من الممكن أن تكون الدراسة دليلا على وجود معتقدات وأعراف يبدو أنها لم تغب بعد، ويشير المقال إلى ما قالته جانين كلايتون، مديرة مكتب الأبحاث حول صحة المرأة في المعاهد الوطنية الصحية في الولايات المتحدة، من إنه معظم الأبحاث يتم إجراؤها على الذكور، وأنه تم استبعاد النساء في كثير من التجارب السريرية لسنوات عديدة، بسبب عدم الرغبة في التأثير على سنوات الغنجاب، ولاعتقاد الباحثين أنهم لن يتمكنوا من التحكم في الحالة الهرمونية المتغيرة للمرأة، لتكون النتيجة في النهاية "لننا درسنا النساء أقل، فنحن نعرف القليل عنهن"، وهو ما ينتج عنه عدم تلقيهن للرعاية المثلى.
كان الاعتقاد السائد أنه لا فرق بين الرجال والنساء سوى في النوع والأعضاء التناسلية، ولكن توضح كلايتون- كما يذكر المقال- أن الاختلاف يصل إلى فسيولوجيا الخلية والتمثيل الغذائي ولاستجابة للعلاج ووظائف بيولوجية متعددة، مما دفع المعاهد الوطنية الصحية في الولايات المتحدة إلى التركيز على الدروات التي توضح الاختلافات بين الجنسين في الطب.
يبدو أن هذا المقال يخبرنا أنه طالما لا تخبرينا بالأعراض بنفس الطريقة التي يعبر بها الرجال، فإذن أنت تبالغين لأن العلم لا يعرف ما تقولينه بعد، وهنا شددت كلايتون على أن "كل من يعمل في عيادة طبية ععليه أن يعي كيف يؤثر اختلاف الجنس على الصحة مثل العمر والعرق أيضا".
معاناتنا مع الأطباء في مصر- في كثير من الأحيان- تأتي متساوية كرجال ونساء، فالطبيب قد لا ينصت بصورة كافية، وقد يتسرع في اتخاذ القرار الدوائي المناسب، ولكن يبدو الأمر اكثر صعوبة بالمسبة للنساء المتهمات دوما أن "الهرمونات" تسيطر على افعالهن، دون وعي بإثباتات العلم التي تحاول أن تزيل التحيز الجنساني عند معاملة المرضى، وتشير إلى أن تأثر النساء بالألم والمرض قد يبدو مختلفا عن الرجال، وكذلك عن الأطفال وكبار السن، فهناك عوامل عدة من البيئة والثقافة لها علاقة بتفاعل أي شخص مع المرض.. ويبدو أن إدراك ذلك لن يكون قريبا.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٠٨ يوليو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا