تعامل المراهقات مع أجسادهن.. خجل وطبقات من الملابس
الأكثر مشاهدة
المحتوى:
تعامل المراهقات مع التغييرات الفسيولوجية لأجسامهن
البلوغ وانخفاض ثقة البنات في أنفسهن
البلوغ المبكر = مزيد من الضغط
ما الذي يجب أن يفعله الآباء أو مقدمي الرعاية؟
تنتظر هاجر الإجازة الصيفية بفارغ الصبر، لتستمتع باللعب مع أصدقائها لفترات طويلة، وتنطلق بدراجتها لمسافات أبعد، لكن هذا العام جاءت التعليمات واضحة من والديها بالمنع من النزول لأنها "كبرت خلاص ومش هينفع تجري زي العيال"، تتسائل كيف؟ ولماذا؟ خصوصًا وأنها اعتادت على مرح الصيف وانطلاقته طوال السنوات السابقة، ويحيرها عدم توجيه نفس الأوامر لأخيها رغم أنه أكبر منها، فتأخدها والدتها إلى الغرفة وتقول: "جسمك بيكبر، تحبي تجري وجسمك يتهز قدام الرجالة؟."، ومن هنا تبدأ علاقة معقدة بين الطفلة وجسمها. هاجر هي العديد من الفتيات، والمشهد الأسري هذا تكرر ويتكرر في كثير من البيوت المصرية –ولن نبالغ إذا قلنا العربية- مع اختلاف تفاصيله وأسبابه والجمل المستخدمة لتغلق باب الطفولة في وجه الفتيات فجأة بما يسمى "البلوغ".
البلوغ مرحلة طبيعية يمر بها الإنسان، ذكرًا كان أو أنثى، أمر بيولوجي بحت لكنه يأخذ حيزًا مختلفًا عندما يخرج من كونه "طبيعيًا" ويصبح "جنسيًا" بعد إلصاقه باختلاف الأدوار الاجتماعية بين الذكور والإناث. الحديث عن البلوغ في مجتمعاتنا يحيطه الكثير من الخجل وعدم التصريح، خصوصًا عندما يتعلق ببلوغ البنت، التي تُجبر –في كثير من الحالات بوعي أو بدونه- على التخلي فجأة وبدون مقدمات عن طفولتها، ويتم دفعها إلى طور جديد لا تفهمه تمامًا، ومع ظهور التغيرات الجسدية تخطو البنت في مرحلة المراهقة بالكثير من التساؤلات والخجل والمشاعر المعقدة وغير المعلنة تجاه نفسها وجسدها، والتي يمكن أن تتطور لمشكلات نفسية خطيرة.
وهذا على عكس الاستحقاق الاجتماعي الذي غالبًا ما يمتلكه الأولاد في نفس الفترة، والذي يكون مدفوعًا برغبة في الاستكشاف والمعرفة النابعة من الثقة في النفس والشعور بالسيطرة "كرجل". لكن المعلومات المشوشة هي الشيء الذي يجمع البنات والأولاد في تلك الحالة، فتزيد ثقة الولد، وتتزايد مخاوف البنت.
ما الذي يحدث حقًا؟ وكيف ولماذا تخجل المراهقات من أجسادهن؟ وما هو دور الأهل في تطور تلك المشاعر أو المساعدة في وقفها؟ كل تلك الأسئلة وأكثر أجابت عدد من النساء عنها، وحكين تجربتهن مع فترة المراهقة عن قرب. (الأسماء الواردة مستعارة حفظًا على خصوصية المشاركات.)
تعامل المراهقات مع التغييرات الفسيولوجية لأجسامهن
مصدر الصورة
تعتبر فترة المراهقة والبلوغ (10-19 سنة) مرحلة تكوينية حاسمة في حياة الإنسان، فتحدث فيها تغيرات بدنية وعاطفية واجتماعية، ومعها يتم تطوير عادات اجتماعية وسلوكيات تؤثر بشكل مباشر على الصحة والسلامة النفسية، كما أن وجود بيئة سليمة وداعمة داخل البيت والمدرسة والمجتمع يساعد كثيرًا في تربية أنماط السلوك الإيجابية ومنع التأثر السلبي الذي يحدث في تلك الفترة، وخصوصًا هذا الذي تواجهه الفتيات بسبب التصنيف الاجتماعي لهن، ونظرًا لكون التغيرات البيولوجية أكثرًا وضوحًا في أجسادهن، ولأن تجاهل مشاعرهن وعدم التطرق لتلك الفترة بالشرح والنقاش والاستماع يعقد الأمر كثيرًا.
حقيقة: "تبدأ نصف اعتلالات الصحة النفسية في الظهور عند سن 14 سنة، ولكن معظم هذه الحالات غير مكتشفة وغير معالجة." منظمة الصحة العالمية
تحكي مها، 28 سنة: "في الأول قبل ما جسمي يظهر فيه تغيرات باينة، كنت حاسة بحماس ناحية الموضوع وتشوق إن شكلي هيتغير، بس مع تعليقات الستات الكبار والقرايب وكلام زي "معندكيش صدر (ثدي) ليه، ومعضمة، وكده العريس مش هيجي" كرهت نفسي وكنت بتكسف جدًا وبقيت بختار أوسع لبس ممكن من بدري، وقررت أتحجب علشان كده."
مشاعر مها في تلك الفترة أصابتها بالكثير من الإحباط والتساؤلات، كانت تشعر أنها مراقبة وجميع الأنظار معلقة بجسدها، وأنها لم تعد طفلة بعد الآن ولا يحق لها الاستمتاع بكل الأنشطة التي كانت تفعلها بحرية قبل شهور قليلة، كل ذلك جعلها تكره جسدها وترغب في إخفائه بكل الطرق، تكمل: "لما كان بيبقى عندي حصة ألعاب في المدرسة كنت بلبس حاجة ضيقة تحت هدوم المدرسة علشان صدري ما يبانش وما يتهزش وأقدر ألعب، ورغم كده ماكنتش ببقى مرتاحة."، تمكن الشعور من الفتاة ذات الـ13 عامًا وقتها، وجاء ذلك مع "ماما ما لحظتش أي حاجة عليّ رغم إني كنت فعلًا منعزلة في الفترة ديه، وبتخانق معاها علشان عايزة ألبس حاجات أكبر من سني، بس ما تكلمتش معايا أبدًا."
كبرت مها وهي تنكر أنوثتها بشكل كبير، ولذلك لجئت إلى المساعدة النفسية للتغلب على صعوبة تواصلها مع جسمها، وشعورها الدائم بقلة الثقة بنفسها، وابتعادها التام عن أي ملابس تحمل "شُبهة أنثوية"، وساعدتها الطبيبة مع دروس الرقص على الفكاك من مشاعر الكراهية وقلة الثقة التي بدأت منذ المراهقة واستمرت معاها حتى منتصف العشرينات، "أخدت شهور علشان أقدر أنزل بفستان وجسمي يبقى باين فيه تفاصيل الأنوثة بشكلها العادي اللي عند أي بنت."
البلوغ وانخفاض ثقة البنات في أنفسهن
وفي تجربة مشابهة تقول مروة، 27 سنة: "أكتر حاجة فكراها من الوقت ده إني كنت بحس بالحرج من الجري، لإن مع بداية تكون شكل صدري واهتزازه مع الجري كنت بحس إن الناس بتبص عليا وللأسف ده ساعات كان بيحصل فعلا فبطلت أجري حتى لوعايزة."، المختلف في حالتها كان محاولات والدتها للحديث معها، "كانت بتحكيلي دايمًا تجارب ليها وهي في السن ده عشان اتعلم منها."، لكن لأن الحديث اقتصر فقط على الأم ولم يكن هناك اشتراك من قبل الأب أو المدرسة فلم يتغير شيئًا من خجل مروة التي بدأت حاليًا التخلص من هذا الشعور المُقيد المرتبط بجسمها، والتعامل معه بثقة أكبر، "دلوقتي الموضوع اتغير شوية لو عايزة أجري هجري مش هيهمني؛ بس طبعًا مش في كل الأماكن وكل الأوقات."
وفي هذا الاتجاه وجد استطلاع رأي أُجري على 1300 فتاة ما بين 18:8 سنة، بالتعاون بين شركة YPULSE ومؤلفات كتاب قانون الثقة للفتيات أو (The Confidence Code for Girls)، أن:
- مستويات الثقة لدى الفتيات بين 8 و18 سنة تنخفض بنسبة 30%.
- مستوى الثقة لدى الفتيات ينخفض من 71% إلى 38% بين فترة الطفولة والمراهقة.
- الفتيات المراهقات من المحتمل أن تشعرن بثقة أقل بنسبة 27% من الفتيان في نفس سنهم.
- "مشاعر الخجل من الجسم من أسوأ مشاعر المراهقة حقيقي، ومش كتير من الأهل بيلتفتوا ليها.. كانوا يكلموني عن الحب مثلا أو المشاعر في سياق إن ده طبيعي ومتقلقيش وهيعدي، بس الجسم نفسه وشعوري تجاه ذاتي وأفكاري وكده.. لأ محدش بيعملك حساب."، تخبرنا منى، 28 سنة، عن شعورها بجسمها فترة المراهقة وكيف أنها كرهت التعليقات الإيجابية والسلبية، وكانت تختار بنفسها ملابس أوسع، "ما كنتش برتاح أبدًا في إن حاجة تبقى بتظهر تفاصيلي مع إن نمو جسمي مكنش أوفر ولا سريع."، تذكرها لهذا الشعور يجعلها حاليًا تتكلم مع المراهقات في عائلتها وتحاول مساعدتهن بالمعرفة اللازمة والكثير من النقاش والطمأنة.
البلوغ المبكر = مزيد من الضغط
مصدر الصورة
تؤكد الأبحاث العلمية أن الكثير من الفتيات يكن غير مستعدات لحدوث الدورة الشهرية، وبحسب موقع منمظة اليونسكو فإن فتاتان من كل ثلاث فتيات ذكرن أنهن ليس لديهن أي فكرة عما كان يحدث لهن عندما بدأن الحيض، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى العديد من الآثار السلبية على النمو العاطفي واحترام الذات وحتى ضعف الأداء المدرسي.
كما أن هناك دراسات أخرى تربط بين البلوغ المبكر والمعاناة النفسية والشعور بكراهية الجسم، تحكي مريم، 32 سنة: "أنا كنت مخنوقة جدًا أنه جسمي بيكبر، وإني أول واحدة ألبس البرا (حمالة الثدي) في الفصل، لأنه كان معناه إني أتخن واحدة، وهما كلهم لسه قادرين يكونوا صغيرين ويجروا براحتهم، كنت بكره شكلي وواخدة بالي من الموضوع عندي وعندهم."، هذه المشاعر السلبية ظلت حبيسة بداخلها وأصبحت أمنية يومية "كان نفسي أعمل حادثة ويضطروا يشيلوا صدري من كتر ما أنا مش فاهمة وبكره نفسي والتغيير اللي حصل".
كما كانت مريم في البيت دائمة الخلاف مع والدتها بسبب ارتداء حمالة الثدي، فكانت ترفض رفضًا قاطعًا الذهاب بها تحت ملابس المدرسة، خصوصًا بعدما رأت زميلتها جزءًا منها وسألتها ضاحكة عن ماهيته، "معرفتش أرد عليها وعلى طول دخلت الحمام قلعتها وشيلتها في شنطة أخويا اللي كان أصغر مني بـ ٣ سنين، ومارجعتش ألبسها غير لما بدأت ألاحظ أنه كل البنات في الفصل بيلبسوها."
ويقول الدكتور كارل إي بيكهاردت، عالم النفس المتخصص في مجال المراهقة والبلوغ، إن الآباء على الأغلب يقللون من شأن الشعور بالحرج الذي يصيب المراهقين، رغم أنه يمكن أن يؤدي إلى مشاعر أكثر تطورًا مثل قلة الوعي الذاتي والعزلة والقلق وحتى الشعور بالعار.
ويؤكد بيكهاردت أن البلوغ عبء ثقيل على المراهق، "لأنه لم يعد طفلًا ولكنه ليس بالغًا بعد، كما يكون مطلوب منه التكيف مع التغييرات الجسدية والنتائج الاجتماعية للبلوغ، وفي نفس الوقت مواكبة أقرانه والتصرف بمسؤولية"، وهذا العبء يصبح أثقل على كاهل المراهقات لأن تغيراتهن الجسدية أكثر ظهورًا.
ما الذي يجب أن يفعله الآباء أو مقدمي الرعاية؟
هناك الكثير من الطرق التي يمكن للآباء أو مقدمي الرعاية أن يساعدوا الأطفال والمراهقين بها، أولها وأهمها الشرح والتحدث الكافي وطرح تجاربهم الشخصية، ومنحهم/هن مساحة آمنة للحديث بدون أحكام أو خجل، وإفهامهم/هن الاختلاف بين الأجساد وطبيعتها وأهمية التقبل.. وذلك بالإضافة إلى:
- المدح والتركيز على سلوكياتهم الإيجابية.
- إظهار الاهتمام والرغبة في المشاركة بدون خرق المساحة الشخصية.
- الدعم ومحاولة التقبل مهما كانت نوبات الغضب أو الاختيارات غريبة.. اطرح بدائل بدلًا من الرفض.
- شرح كل ما يتعلق بالدورة الشهرية ومعرفة مراحلها والتغيرات المصاحبة لها.
- الاستعداد بحقيبة بها (فوط صحية- وملابس داخلية نظيفة) وكيفية تغييرها والتعامل معها.
- لا تتسرعوا في إخراجهم/هن من مرحلة الطفولة، وشجعوهم/هن على ممارسة نفس الأنشطة التي اعتادوا/اعتدن عليها.
ودائمًا تذكروا أننا بحاجة لتغيير النظرة إلى مرحلة البلوغ، وتلك الوصمة المحيطة بالدورة الشهرية، ولن يحدث هذا إلا بتثقيف الآباء والمدرسين والأطفال أنفسهم، وبالحديث الحقيقي وترك الخجل جانبًا لأنه لا يوجد ما نخجل منه من الأساس.
مصدر الصورة الرئيسية
مصدر1
مصدر2
مصدر3
الكاتب
ندى بديوي
الإثنين ١٢ يوليو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا