الولادة القيصرية أم الطبيعية.. هل يمكن للأم أن تختار؟
الأكثر مشاهدة
"تولدي قيصري وخلاص عشان مسافر بعدها وعندي مؤتمر" جاء رد الطبيب حازما فور أن بدأت الأم الحامل في النقاش حول اختيار الطريقة التي يمكنها أن تلد بها، وإمكانية أن تنجب ابنها بشكل طبيعي دون حاجة للجراحة، وكأنه لا مجال لها لاختيار ما يناسبها، فتقرر الذهاب لطبيب آخر يمكنه أن يمنحها المعلومة ويتفهم أن القرار لها.
تخبرنا الأرقام والإحصائيات أن مصر من الدول التي تأتي في المراتب الأولى من حيث نسب الولادة القيصرية، في تطور جعل منظمة الصحة العالمية تعتبر أننا نعاني "وباء القيصرية"، ففي عام 2016 كانت مصر في المركز الثالث، ولكنها مع حلول عام 2018 صارت تحتل المركز الأول في عمليات الولادة القيصرية بنسبة 63%، لنكتشف أن هناك ارتفاعا في جميع أنحاء العالم في الولادة القيصرية.
وفقا لدراسة من جامعة مانيتوبا نشرتها مجلة The Lancet، اتضح أن نسب الولادة القيصرية تضاعف من عام 2000، حين كانت 16 مليون عملية (بنسبة 12.1% من المواليد) إلى 29.7 مليون عام 2015 (بنسبة 21.1% من المواليد)، وكانت نسبة الولادة القيصرية في مصر- حسب هذه الدراسة- 55.5% في عام 2015، مع العلم أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أشارت عام 1985 إلى ضرورة ألا تتخطى نسب عمليات الولادة القيصرية ما بين 10- 15% من حالات الولادة سنويا.
الولادة القيصرية
تشير بعض الأوراق البحثية إلى أن أول عملية ولادة القيصرية Cesarean Section كانت في عام 1500، عندما أجراها الزوج جاكوب نوفر في سويسرا على زوجته بمساعدة 13 قابلة، بعد أن واجهت تعسر في الولادة، ولم تتم العملية إلا بعد أن حصل على إذن من السلطات المحلية، ولدت الأم طبيعيا خمس مرات بعد هذه الولادة، التي تم التشكيك في دقتها ولم يتم تسجيلها إلا بعد 82 عاما.
الولادة بالأساس هي عملية تتم بشكل طبيعي ودون تدخلات من خلال المهبل، ولكن هناك حالات صحية تستلزم التدخل الطبي لمناسب للإنقاذ حياة الأم والجنين، ويُذكر من بين هذه الحالات: أن يتسمر حالة المخاض لوقت طويل دون ولادة، مما قد يؤثر على حياة الجنين، أن تكون وضعة الجنين غير طبيعية وغير مهيئ للولادة، في حال كان الجنين يعاني حالة صحية خطيرة، او تعرض الأم للنزيف.
تحدث الولادة القيصرية عن طريق شق جراحي في البطن والرحم، وقد يكون الشق الجراحي في الجزء السفلي من الرحم، وتعتبر من الأكثر شيوعا، ولكن هناك أيضا الشق الجراحي العلوي، هو الخيار الذي يتم اللجوء له في حالة وجود الجنين في وضعية جانبية، و الولادة المبكرة عن موعدها، وعندما يكون الجنين لديه عيب خلقي، مع الاخذ في الاعتبار أنها تتسبب في ألم بعد الولادة ، والبقاء لفترة أطول حتى التعافي التام.
الولادة القيصرية في مصر
مع مؤشرات عالمية، تضع مصر ضمن الدول التي تعاني "وباء" القيصرية بمعدل وصل إلى 63% خلال عامي 2017- 2018، كان تقرير التنمية البشرية الصادر عن وزارة المالية في 2016 يوضح أن عدد الولادات القيصرية يصل إلى مليون و344 الف حلة سنويا، مقدرا أن مليون حالة منهم يحدث دون مبرر، وأشار التقرير إلى أن عمليات الولادة القيصرية التي لا يوجد مبرر طبي لإجرائها تصل تكلفتها إلى مليار و222 مليون جنيه سنويا.
وفي دراسة حكومية، أجراها الدكتور طارق توفيق، نائب وزيرة الصحة والسكان لشئون السكان، عمل من خلالها على إجراء مسح للولادات القيصرية في مصر للتعرف على معدلاتها في الفترة من عام 2008 حتى عام 2017، وأظهرت ارقام الدراسة أن عمليات الولادة القيصرية ارتفعت 4 أضعاف عن المعدل العالمي، وأشارت إلى أن معدلات الولادات القيصرية في لمستفسات الخاصة تصل غلى 65.7%، بينما يقل المعدل قليلا عند الولادة في المستشفيات الحكومية ليصل إلى 45.3%
أوضحت الدراسة كذلك ما وصفته بالأعباء المادية التي تسببها الولادة القيصرية، فتمت الإشارة إلى أن تكلفتها المادية تزيد 466% عن الولادة الطبيعية، فوفقا للمسح السكاني الذي اعتمدت عليه الدراسة، كانت تكلفة الولادة الطبيعية من ألف إلى 3 آلاف جنيه، في حين تراوحت تكلفة الولادة القيصرية ما بين 7 آلاف إلى 13 ألف جنيه، وهو الأمر نفسه الذي أشار إليه النائب فايز بركات، عضو لجنة التعليم في مجلس النواب، عندما تقدم بطلب إحاطة موجه إلى الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان عن ما أسماه "بيزنس الولادات القيصرية" في فبراير 2020، بعد أن كشف المسح السكاني لعام 2019 عن وصول تكلفتها إلى 14 مليار و525 مليون جنيه.
قصص النساء مع الولادة
استنتاج كثيرين أن الولادة القيصرية ربما خيار طبيب يريد أن يقوم بما هو مضمون، وأكثر إنجازا للوقت، فالولادة الطبيعية قد تستغرق من 8 إلى 16 ساعة، بينما تنتهي الولادة القيصرية في ساعتين تقريبا، يأتي من تجارب السيدات أنفسهن، فتحكي ريهام علي أنها كانت تتابع مع طبيب في مصر قبل انتقالها إلى السعودية "اكتشفت وأنا هناك أنه الدكتور في مصر كان بيديني أدوية تقلل الانقباضات، وأنها تناسب اللي عاوزين يولدوا قيصري، رغم أننا مكناش اتفقنا هنعمل إيه، وهو قرر من نفسه"، لكنها تمكنت من الولادة بشكل طبيعي في النهاية "هناك عندهم صبر أكتر من الدكاترة في مصر".
اختيار منة إسماعيل من البداية كان الولادة القيصرية "مكنتش أعرف أي حاجة، بس مش عاوزة أعيش ألم الطبيعي"، ولكنها وقت الولادة وجدت آلام الطَلق تفتك بها، وتوجهت إلى المستشفى "جهزوني قيصري فعلا، محدش استنى يشوق إيه المناسب، ادوني البنج ولقوا رأس البيبي تحت.. لما فقت كنت بدور على الجرح لكن اكتشفت أنه ولدت طبيعي"، لكن الامر الذي جاء دون ترتيب منها، جعلها تدرك أن الولادة الطبيعية أفضل كثيرا، بدلا من اللجوء إلى جراحة البطن.
تتذكر منة صديقتها التي كانت مصرة على الولادة الطبيعية "خدت كل المساعدات والمحفزاتن لكن وضع البيبي (الجنين) كان صعب والنبض بقى ضعيف، وحصل لها نزيف"، واضطرت صديقتها للولادة القيصرية في النهاية، وفي ذلك اوضح الطبيب محمود عبد الغفار، الطبيب المصري عضو الكلية الملكية في لندن، أن "أوقات بيزقوا المريضة تولد طبيعي، ويؤدي ده لمضاعفات خطرة على صحتها وصحة الجنين"، وهنا أكد على ضرورة رفض الولادة الطبيعية بدون مبرر مثل رفض الولادة القيصرية بدون مبرر.
فمن بين الأمور التي اعتبرها عبد الغفار سببا في انتشار الولادة القيصرية في مصر، هو عدم وجود فرصة للجميع للتمكن من متابعة الأم والجنين، فليست كل الأمهات لديها هذه القدرة المادية، وحتى لا يحدث مضاعفات لا يعلم بها يختار الطبيب كثيرا الولادة القيصرية، حيث لا فرصة للمخاطرة، في حين زاد آخرون على هذه الأسباب ما يتعلق باختيار الأم نفسها، وانتشار أمراض السكري وضغط الدم المرتفع والسمنة التي تؤثر على صحة الأم والجنين.
مبادرة وقف الولادة القيصرية غير الضرورية
"بعتبر اللي بيحصل ده عنف ضد المرأة.. لما الست تولد قيصري من غير ما يكون عندها المعلومات الكافية ويتم استغلال ده عشان نريح دماغنا" في مبادرتها التي تدعو لوقف عمليات الولادة القيصرية غير المبررة، أوضحت الصحفية مي الشامي أن السبب- كما ترى- في انتشار معدلات "القيصرية" في مصر يرجع إلى "استسهال" بعض الأطباء كون الولادة القيصرية أسرع ومضمونة بنسبة أكبر، بخلاف معتقدات السيدات بسبب المعلومات المغلوطة عن صعوبة الولادة الطبيعية.
وكانت مي الشامي قد أطلقت مبادرتها من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في يونيو 2021 تحت عنوان "Stop Unnecessary Cesarean"، ضمن مشروع تخرجها من دبلوم الصحافة الرقمية من الجامعة الأمريكية، مستهدفة الحد من عمليات الولادة القيصرية التي تحدث دون وجود سبب، عن طريق توعية السيدات المقبلات على الحمل والولادة ليختارن بأنفسهن ما يناسبهن.
عندما قررت مي أن تحظى بطفل بعد زواجها، كان موقفها واضحا منذ البداية "كان عندي هلع من القيصري، ومكنتش عاوزة جرح في بطني لسبع طبقات" غير أن تجارب كثيرات من قريباتها مع الولادة القيصرية جعلتها تنفر منها واتفقت مع طبيبها على تحقيق رغبتها بالولادة الطبيعية، ومع حلول موعد الولادة كان الطبيب المتابع لحالتها متواجد في محافظة أخرى.
"وقتها دكتورة تانية كانت موجودةن وكانت مصرة أولد قيصري، وأنا أقولها نستنى شوية غاية ما ظهر الدكتور بتاعي.. فضلنا نحاول لآخر وقت واعتبرنا القيصري الحل الأخير لغاية ما فعلا قدرت أولد طبيعي" تجربتها جعلتها تصر على أن يكون لكل سيدةمقبلة على الولادة الفرصة والحرية الكاملة في الاختيار، "التجربة كانت في 2019 لكن أبهمتني أشجع ستات غيري يولدوا طبيعي".
القراءة والمتابعة الجيدة كونت لدى مي الشامي معرفة جعلتها تختار ما يناسبها، وشعرت أن ذلك غير متوفر لكثيرات، وهو ما ساعد على ارتفاع نسبة إجراء الولادة القيصرية في مصر، غير أنها لاحظت العوامل التي قد تبدو مؤثرة في اتخاذ القرار بالولادة القيصرية "بقى الأسهل، الكل يقولك أولدي قيصري وهي نصف ساعة بدل البهدلة.. وكمان عشان المعلومات المغلوطة أن الولادة الطبيعية بتأثر على العلاقة الجنسية بسبب توسع المهبل فجوزك يطلقك"، مستنكرة أن يتم تحميل السيدات فوق طاقتهن لإرضاء الرجل في النهاية.
تنشر مبادرة "وقف عمليات الولادة القيصرية غير الضرورية" معلومات عن الولادة القيصرية والطبيعية والضرورة التي تستلزم الحاجة لوجود تدخل جراحي، كما تعرض قصص وتجارب لسيدات مع الولادتين، وتقدم النصائح عن التعامل في الشهور الأخيرة للحمل قبل الولادة، وكذلك إمكانية الولادة الطبيعية بعد القيصرية، وتساندها الطبيبة إسراء عبد الفتاح، مردس مساعد نسا وتوليد في تقديم المعلومات السليمة.
غير أن مي تحرص من خلال مبادرتها على أن تُجري لقاءات مع أساتذة وأطباء متخصصين مباشرة للإجابة على كل الاستفسارات "بدعم كل ست في اختيارها، هدفنا نوعي وتكون ملمة بكل المعلومات، ومستعدة لكل الاحتمالات ومستعدة جسمانيا بالحركة والرياضة"، وترى أن التقليل من اللجوء غير المبرر للولادة القيصرية يجب أن يكون من خلال رقابة وبروتوكول معين، مع توفير حماية للأطباء ومرتبات جيدة لا تجعلهم يلجأون إلى الولادة القيصرية كاستثمار في الوقت.
وعقبت سالمندر سعيد على صفحتها على فيسبوك على مبادرة وقف القيصرية "مهم أن الحراك المعادي لاستسهال القيصرية مايتحولش بدوره لطريق ضغط على الستات"، مشيرة لضرورة أن يكون هناك معلومات صحيجة وشاملة ومتوفرة عن كل أنواع الولادة للنساء، موضحة أن محاولات سيدات كثيرات لتجنب آلام الولادة الطبيعية حق أساسي لكل سيدة.
الضغط المعاكس
بالنسبة لحميدة سيد (اسم مستعار) فالأمر يبدو معقدا "في الأول فعلا كنت فاكرة أنه الدكاترة بتضحك علينا واستسهال وفلوس كتير"، اكتشفت أن فرق التكلفة ما بين العمليتين ليس كبير كما تقول، ورغم ذلك كان قرارها من البداية أن تلد بشكل طبيعي "الدكتورة استنت معايا لغاية آخر وقت وولدت طبيعي فعلا، لكن اضطرت تعمل لي جرح استمر معايا 40 يوم" الجرح الذي تقصده هو شق العجان، وهو شق جراحي بجدار المهبل الخلفي يحدث خلال المرحلة الثانية من المخاض، ويتم اتباعه في حالات الولادة الطبيعية التي تواجه صعوبات.
"الشق ده عملي مشكلة تانية، واضطريت اعمل عملية بعده.. مع أن صحابي كتير ولدوا قيصري وكانوا كويسين بعد أسبوعين أو أقل" وهذا ما يجعل حميدة تعتبر أن الامر معقد، وترى أن الوضع بشكل عام يضغط على النساء ولا يضع أمامهن الصورة كاملة "أكتر حاجة بكرهها أن الدكاترة مش بتعتبر جزء من الموضوع وبتشرح تداعيات أي إجراء.. لا يقولك أول ما توصلي المستشفى أنتي بتاعتي".
ترى حميدة أن التركيز على ضرورة الولادة الطبيعية أو الرضاعة الطبيعية أيضا من الأمور التي تتسبب لسيدات كثيرات في الشعور بلذنب وأنهن مقصرات "يعني تلاقي واحدة بتحكي قصتها مع الولادة وإزاي كان الجنين هيتخنق واضطرت تولد قيصري، وبتأنب نفسها وتجلد ذاتها أنها متحملتش تولد طبيعي.. طيب هو الطب اخترع ليه القيصري ما عشان ينقذ الحالات دي"، فتم ترسيخ الولادة والرضاعة الطبيعية ضمن الصورة المثالية- غير الواقعية- للأمومة.
الكاتب
هدير حسن
السبت ٢٤ يوليو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا