حكايات من الواقع عن أثر غياب المعرفة الجنسية
الأكثر مشاهدة
عندما أطلقنا حملة #من_غير_كسوف، كنا ندرك حجم التأثير الذي يمكن أن يحدثه غياب المعرفة الجنسية على حياة الفتيات والنساء. لكن ما لم نكن نتوقعه هو مدى انفتاح النساء على الحكي، وبحثهن عن مساحات آمنة للمشاركة مثل منصتنا. لقد تلقينا عدد كبير من القصص الصادقة والمؤثرة على استمارة الحملة من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الاجتماعية. قصص تعكس معاناة حقيقية، قرارات اتخذت في لحظات حاسمة دون معرفة كافية، وأحيانًا تجارب كان يمكن تفاديها لو كانت هناك توعية جنسية ملائمة. في هذا المقال، نستعرض بعضًا من هذه التجارب التي شاركتها معنا الفتيات والنساء بكل شجاعة، لتكون صوتًا لمن لم تستطع الحديث، ولتكون دعوة لمزيد من الحوار الصريح والتوعية في مجتمعاتنا.
حكايات من الواقع عن غياب المعرفة الجنسية
تسلط هذه القصص الضوء على واقع مؤلم تعيشه الكثير من الفتيات والنساء في مجتمعاتنا، حيث يؤثر نقص الوعي الجنسي على حياتهن بشكل كبير.
1. غياب الوعي وآثاره طويلة الأمد
في مجتمعاتنا العربية، تُعتبر التوعية الجنسية أمرًا محظورًا في كثير من الأحيان، مما يترك الفتيات دون أي معلومات صحيحة حول الحياة الجنسية قبل الزواج. إحدى النساء التي شاركت قصتها في حملة #من_غير_كسوف، وهي من الإسكندرية، روت كيف أن افتقارها لأي معرفة جنسية أثر بشكل كبير على حياتها الزوجية والنفسية.
تقول: "لما اتجوزت ماكنش عندي أي خبرة، عمر أهلي ما اتكلموا معايا في حاجة، وكل المعلومات اللي عرفتها كانت من صحابي وكلها مغلوطة." لم تكن تعرف كيف تتواصل مع زوجها بشكل صحيح، ولم تدرك حتى ما يعنيه تحقيق الرضا الجنسي. قضت ثماني سنوات في زواج لم تشعر فيه بالرضا، ومع كل محاولة لفهم مشاعرها واحتياجاتها، كانت تواجه بالرفض والإهانة من قبل زوجها، مما أدى في النهاية إلى تفاقم حالتها النفسية، ودخولها في دوامة من الاكتئاب والعزلة. بعد سنوات من الألم والضياع، بدأت في البحث عن التوعية من خلال صفحات التواصل الاجتماعي والمصادر الموثوقة، وهو ما ساعدها على فهم جسدها واحتياجاتها، ولكن بعد أن تأخرت سنوات طويلة.
2. بين التقاليد والجهل: عبء الصمت
قصة أخرى من قنا تعكس كيف يمكن أن يؤثر غياب التوعية الجنسية بشكل مدمر على الفتيات حتى قبل الزواج. تروي الشابة قصتها قائلة: "ماكنتش أعرف حاجة عن الحياة الجنسية قبل الجواز، وبالتالي كرهتها في أول سنة زواج، وتعبت نفسيًا وجسديًا..." لقد كانت العروس تتساءل عن أشياء بديهية تتعلق بجسدها قبل الزواج، لكنها لم تجد الدعم أو التوجيه حتى من والدتها. وعندما كانت تقترب من الزواج، لم تكن تعرف حتى الفرق بين فتحة المهبل وفتحة البول، وعندما سألت والدتها، أجابتها بخجل وتهرب. هذا الجهل أدخلها في حالة من الخوف والرهبة بعد الزواج، وهو ما أدى إلى اضطرابات نفسية وصحية جعلتها تبدو وكأنها "هيكل عظمي" من شدة التوتر.
لحسن حظها، كان زوجها متفهمًا وصبورًا، فقد استغرق عامًا كاملاً في مساعدتها على التكيف وفهم الأمور بشكل صحيح. بفضل دعمه وتفهمه، تحولت علاقتها الجنسية معه إلى تجربة إيجابية، لكن ذلك لم يكن ليحدث لولا أن زوجها كان ملتزمًا بتحقيق هذه الغاية. من خلال تجربتها، أدركت الشابة أهمية التوعية الجنسية والحديث الصريح مع بناتها في المستقبل، فهي تقول: "جوزي فضل سنة تقريبًا يفهمني وكان جنبي ومستحمل... واتعلمت من تجربتي دي إني اسمع لبنتي لأن الموضوع مهم ولازم نفهمه صح."
3. عندما يتسبب الجهل في التشخيص الخاطئ
في قصة من القاهرة، تكشف شابة أخرى عن المآسي التي يمكن أن تنجم عن الفهم الخاطئ للمشاكل الجنسية لدى الرجال. تقول: "ماكنتش أعرف إن الرجالة عندهم مشاكل جنسية، وجوزي كان عنده برود وكان مفهمني إن أنا السبب وكنت مصدقة..." لم يكن لدى هذه الشابة أي فكرة عن أن زوجها يعاني من مشاكل جنسية، وكانت تعتقد أن المشكلة تكمن في نفسها فقط. كان زوجها يعاني من سرعة القذف وضعف جنسي، لكنه أقنعها بأنها هي السبب في عدم شعورها بالمتعة.
عاشت هذه السيدة في حالة من الشك الذاتي وعدم الثقة لسنوات طويلة، معتقدة أنها هي من تعاني من مشكلة صحية. كان لديها اعتقاد خاطئ بأن قدرة الرجل على الإنجاب تعني أنه لا يعاني من أي مشاكل جنسية، ولم تدرك أن زوجها كان يستغل جهلها لتجنب مواجهة مشاكله. تحكي: "فهمت كل ده بعد ٦ أو ٧ سنين جواز... كنت فاكرة طالما الراجل بيخلف يبقى معندوش مشكلة جنسية." عدم الوعي هذا أثر بشكل كبير على زواجها وعلى صحتها النفسية، وقد أدركت فيما بعد أنها كانت ستتخذ قرارات مختلفة لو كانت تمتلك المعرفة الكافية.
4. التعليم الذاتي والبحث عن المعرفة
قصة فتاة من السويس تعكس كيف يمكن أن يؤدي غياب التوعية الجنسية في المنزل إلى تبني سلوكيات ضارة من مصادر غير موثوقة. هذه الفتاة التي كانت في مرحلة الإعدادية عندما بدأت في استكشاف الأسئلة المتعلقة بجسدها، لم تجد أي إجابات من والدتها أو من محيطها، مما دفعها للبحث عن المعلومات على الإنترنت. تقول: "وأنا صغيرة كنت فاكرة إن أي اتنين بيتجوزوا أول ما بيمضوا على العقد ممكن الست تحمل عادي... فبدأت اسأل جوجل عن أي حاجة محيراني لغاية ما فهمت."
لكن مع البحث على الإنترنت، بدأت تتعرض لمحتويات غير مناسبة لعمرها مثل الفيديوهات الإباحية، دون أن تدرك طبيعة هذه المحتويات في البداية. هذا الاكتشاف المبكر أثار فضولها ودفعها لمزيد من البحث في مصادر غير موثوقة، مما شكل مفاهيم مغلوطة وأفكار خاطئة عن العلاقات الجنسية. لم تجد الفتاة من يوجهها أو يشرح لها الأمور بطريقة صحيحة، وهو ما أدى إلى انعدام الثقة في نفسها والخوف من الحديث مع والدتها التي كانت تصف أي حديث عن هذه الأمور بأنه "قلة أدب".
5. تأثير الصمت والخوف على العلاقة مع الجسد
قصة أخرى من فتاة قاهرية عاشت طفولة مشوشة بسبب انعدام التوجيه من قبل الأهل. تقول: "قعدت أكتر من 12 سنة فاكرة إن جسم البنت زي جسم الولد في كل حاجة... ولحد فترة قريبة ماكنتش عارفة أي حاجة عن جسمي." لم يكن لديها أي وعي بالتحولات التي يمر بها جسد الأنثى مع النمو والبلوغ إلى أن جمعتها علاقة عاطفية بشاب أخبرها عن العلاقة الجنسية وطلب منها مشاهدة أفلام إباحية لـ"تفهم".
عندما اختبرت لأول مرة دورتها الشهرية، لم تكن لديها أي فكرة عما يحدث، ولم تجد من يشرح لها أو يخفف من مخاوفها. كانت تعيش مع والدها بعد طلاق والديها، وعندما بدأت الدورة الشهرية، شعرت بالخوف والعار، وعزلت نفسها في المنزل. تقول: "كنت برمي الهدوم عشان محدش يشوفها... وكل ده خلى ثقتي في نفسي تنعدم." هذا الجهل والعار اللذان عاشتهما الفتاة أثرا بشكل كبير على نظرتها لجسدها وعلى ثقتها بنفسها، وجعلتها تتجنب التفاعل الاجتماعي خوفًا من أن يلاحظ أحدهم حالتها.
هذه القصص ليست سوى جزء من الحقيقة التي تعيشها الكثير من الفتيات والنساء في مجتمعاتنا. هذه القصص تعكس الحاجة الملحة لتوفير التوعية الجنسية بشكل مبكر ومستمر في المنازل والمدارس، حتى لا تعاني الأجيال القادمة من نفس التجارب المؤلمة. التحدث عن الصحة الجنسية والإنجابية بصراحة وبدون خوف يمكن أن ينقذ العديد من الفتيات من مشاعر الذنب والخوف والعار، ويمكن أن يساعدهن في بناء حياة جنسية صحية ومتوازنة #من_غير_كسوف
الكاتب
ندى بديوي
الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠٢٣
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا