هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟ 7 نقاط تجيب بـ لا
الأكثر مشاهدة
أقضي أحيانًا بعض الوقت على مواقع مثل Quora and Reddit لأعرف الموضوعات والأسئلة المختلفة التي يتحدث عنها الناس حول العالم، وغالبًا ما أجد الكثير من الإجابات المثيرة للاهتمام والحكايات الشخصية الملهمة في الردود على تلك الأسئلة. واليوم صادفني هذا السؤال بأكثر من صيغة "هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟" بل هناك بعض الصيغات التي أقرت أن قراءة الروايات بالفعل ليست إلا وقتًا ضائعًا.
منذ صغري وأنا أقرأ الروايات والقصص القصيرة وأحب الأدب والخيال، وكنت أتلقى بعض التعليقات السلبية عندما أكون في مكتبة المدرسة وبين يدي قصة أو حتى حدوتة للأطفال، بينما الآخرون يحملون الموسوعات العلمية.
وفي البيت لم يمنعني أحد من قراءة الروايات والخيال بشكل عام لكن أبي لم يحبذ الأمر يومًا. وعندما كبرت وكبر معي شغفي بالروايات، كنت في نظر البعض إما مثقفة للغاية، لأني دائمًا أقرأ، أو على الطريق الصحيح لأشباه المثقفين، لأني أقرأ الروايات.
أضرار قراءة الروايات
لن يسرد هذا الموضوع أضرار قراءة الروايات، بل سيقدم فائدة قراءة الروايات من منظور علمي.
القراءة بشكل عام مفيدة وممتعة، ولكل شخص الحق في اختيار ما يقرأ، وكيف يؤثر ذلك عليه لأن طرق تعلم البشر مختلفة ومتنوعة، فالبعض يبحث عن المعلومة المجردة، والبعض الآخر يريد قراءتها في سياق ما، ويدمج الكثيرون بين هذا وذاك.
كما أنه لا يوجد مقياس يسمى الاستفادة يمكن تطبيقه على كل البشر، فقد تكون الاستفادة هي المتعة أو الرحلة أو المعلومة أو حتى تمرير الوقت. ولكل منا ظروفه واحتياجاته وطرقه الخاصة في التعلم والاستمتاع، ونحن من نحدد ذلك.
الأبحاث العلمية وقراءة الروايات
أشار مقال بعنوان "Your Brain on Fiction" منشور في صحيفة The New York Times بتاريخ مارس 2012 إلى العديد من الدراسات التي أظهرت تأثير قراءة الروايات وكتب الخيال على عقولنا، وجاء في المقال أن عمليات مسح الدماغ التي أجريت خلال هذه الأبحاث وجدت أننا عندما نقرأ وصفًا تفصيليًا أو استعارة ما، فإن أدمغتنا يتم تحفيزها بشكل لافت للانتباه.
كما اقترحت دراسة أجريت في جامعة تورنتو عام 2013 أن قراءة الروايات تساعد في تحسين عملية صنع القرار وتجعل الناس أكثر ارتياحًا مع الشعور بعدم اليقين.
بينما وجد بحثًا أجرته جامعة ساسكس أن القراءة لمدة 6 دقائق يمكن أن تقلل من مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 68%، ويعتقد علماء النفس أن هذا ربما يرجع إلى أن التركيز على القراءة، يوفر قدرًا من الإلهاء عن العالم الحقيقي، مما يخفف من توترات العضلات وخفقان القلب.
قراءة الروايات ليست مضيعة للوقت
كل شيء في العالم نسبي ومتغير، فالمناسب لشخص أو مجموعة ليس بالضرورة أن يكون كذلك للآخرين، وقراءة الروايات والقصص لا تستثنى من ذلك. لكننا هنا في مواجهة سرديات تنظر إلى الأدب والخيال نظرة دونية وتخرجهم من إطار الأهمية المزعوم. ولذلك، إذا كان السؤال يشغلكم: هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟ فالإجابة لا، وتلك هي الأسباب:
1-الروايات والخيال يخلقان التعاطف
قراءة الروايات تجعلنا نضع أنفسنا مكان الآخرين، وتنمي قدراتنا على التعاطف، وقد أظهرت دراسات متعددة أن تخيل القصص يساعد في تنشيط مناطق المخ المسؤولة عن فهم الآخرين بشكل أفضل ورؤية العالم من منظور جديد.
وعندما حلل عالم النفس ريموند مار 86 شخصًا بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لاحظ تفاعلًا كبيرًا في أجزاء الدماغ المستخدمة لفهم القصص، والوصلات المستخدمة في التفاعلات مع الآخرين.
كما قام باحثان من جامعة واشنطن في سانت لويس بفحص أدمغة قراء الأدب والخيال واكتشفوا أن الدماغ قد خلقت محاكاة ذهنية مصورة ومكثفة كما لو كانوا يعيشون الأحداث التي كانوا يقرؤون عنها.
2-القراءة تساعد في تقليل التوتر وخصوصًا قراءة الخيال
تحتاج عقولنا إلى فك الارتباط فلا يمكن أن تعمل بأقصى طاقتها طوال الوقت، ويمكن أن تكون قراءة الروايات والقصص الخيالية من بين أفضل الطرق لعمل ذلك خصوصًا لأنها تخرجنا تمامًا من الأوقات الصعبة.
يقول مقال منشور في مجلة نيويوركر أنه قد ثبت أن القراءة تضع أدمغتنا في حالة تشبه ما ينتج عن التأمل، وتجلب نفس الفوائد الصحية للاسترخاء العميق والهدوء الداخلي، كما أن القراء المنتظمون لديهم مستويات توتر أقل، وثقة أكبر بالنفس من غير القراء.
3-الروايات الخيالية تحفز الإبداع
هل نستفيد من قراءة رواية بها حيوانات تتكلم أو عوالم سحرية وكائنات فضائية؟ نعم، لأن هذا يعمل على توسعة نطاق الخيال وتمكين العقل من التكيف مع أشياء لا محدودة، وهذا يساعد في تحفيز الإبداع وطرق حل المشكلات.
كما أن العوالم السحرية والأشجار الناطقة والحيوانات المتكلمة تخضع لمنطق بشري بشكل ما، وتكون مستمدة من شخصيات البشر وتعقيدات حياتهم وسلوكياتهم لكن بمنظور جديد.
4-الأدب يمدك بحصيلة لغوية وقدرة على فهم المشاعر
يتمتع الأشخاص الذين يقرؤون الروايات والقصص بمفردات أكثر ثراءً، ويكونوا قادرين على القراءة بطلاقة. وكلما قرأوا المزيد يكون في استطاعتهم فهم الجمل الصعبة والنصوص المعقدة.
وقد قامت جامعة إيموري عام 2013 بمقارنة أدمغة أشخاص قرأوا روايات على مدى تسعة ليالٍ، بأدمغة الأشخاص الذين لم يقرؤوا، وأظهرت النتائج وجود نشاط في القشرة الصدغية اليسرى، وهي جزء من الدماغ يرتبط عادةً بفهم اللغة.
كما أن قراءة الأدب تجعلنا نفهم أنماط مختلفة من السلوك والدوافع الإنسانية، وتصف لنا المشاعر وتعرفها وتبين الاختلافات الدقيقة بين المشاعر المتقاربة مثل الحزن والكمد والوجوم والأسى و...، وهذا يحدث بشكل تلقائي يُفهم من السياق وليس بطريقة تعليمية واضحة.
5-قراءة الروايات تعزز القدرة على التفكير النقدي
أثناء قراءة الروايات والقصص تتعرض عقولنا إلى الكثير من المعلومات في وقت واحد، ومن وجهات نظر مختلفة، وهذا من شأنه أن يوسع نطاق رؤيتنا ويجعلنا نضع أنفسنا مكان الآخرين، ونبدأ في ربط الأحداث ونحاول فهم الصورة الكاملة، وهذا يشحذ الذهن ويعزز مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدينا.
كما أن التعرض لوجهات النظر المختلفة والحجج والدوافع، يمكن أن يجعلنا أكثر تقبلًا وفهمًا للبشر في الحياة الحقيقة.
6-قراءة الروايات يمكن أن تحسن القدرات المعرفية الاجتماعية
اقترح بحث مقدم في قسم علم النفس بجامعة برينستون، بعنوان قراءة الخيال وقراءة العقول (Reading fiction and reading minds) أن مطالعة الروايات يمكن أن تحسن القدرات المعرفية الاجتماعية للأفراد.
وقد كشفت التحليلات في هذا البحث عن استجابة الفص الصدغي الوسيط في المخ، والشبكة الفرعية لقشرة الفص الجبهي الظهري للقراءات ذات المحتوى الاجتماعي وغير الاجتماعي. كما جاء في البحث أن المشاركين الذين قرأوا الروايات أظهروا -في أغلب الأحيان- أداءً أقوى في جانب الإدراك الاجتماعي.
7-قراءة الروايات تمنح شعورًا جيدًا
قد تكون النقاط السابقة مهمة للغاية، لكني أرى أن أهم شيء في قراءة رواية متقنة هي أنها تمنحني شعورًا جيدًا، قد يكون مزيجًا من الرضا والهدوء أو السعادة والتحقق أو الشجن وحتى الحزن الذي يترك إدراكًا جديدًا للأشياء.
لا يهم كيف ينظر الآخرين إلى الروايات وما يعتقدونه عنها. نعم، من الجميل تجربة أنماطًا جديدة وأنواعًا مختلفة وكُتابًا من الشرق والغرب، لكن هذا لا يعني التوقف عن قراءة ما يعجبكم ويمنحكم شعورًا جيدًا. استمتعوا بالقراءة.
الكاتب
ندى بديوي
الخميس ٣٠ ديسمبر ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا