”رجل” ذهب بعقل عبير لمستشفى المجانين !
الأكثر مشاهدة
قال لنفسه إنه لا نجاة له إلا بالجنون... الجنون وحده هو الذي يتسع للإيمان والكفر، للمجد والخزي، للحب والخداع، للصدق والكذب، أما العقل فكيف يحتمل هذه الحياة الغريبة؟ كيف يشيم ألق النجوم وهو مغروس حتى قمة رأسه في الوحل؟ - نجيب محفوظ
يعمّ المكان هدوء وسكون تام ..تشعر بالصمت كصديق مرافق لك بالقاعة يجلس جوارك..مُتعة شعورك لا حدود لها، يُفتح الستار، تقف سيدة ورجل على الخشبة، ينظران بداية الأمر إليك..ثم تنتقل نظراتهم القلقة بينهما البعض..تلتقط "هى" بعض الأنفاس لتبدأ حديثها، وليبدأ المشهد الأول...
أتعامل مع الشمس كما لو كانت ساعة يد ، و أتعامل مع الجنون كما لو كان دستور العشاق . و حين أنتظرك في المقهى و تتأخر في الحضور ، أمد يدي إلى السماء بسطوة الحب ، و أعيد الشمس قليلاً إلى الوراء كعقرب ساعة ، و أبدّل نواميس الكون كأية عاشقة حمقاء لن تنضج ، تخشى أن ينكسر قلبها لأنك تأخرت عن الحضور.
تتسارع آنفاسها عقب عبارتها فورًا..تنظر للجميع..تُحدث نفسها ماذا يحدث لي..ماذا أقول أنا، هل مسّني الجنون..جنون، وهل بي عقل؟، نعم كلماتي تُعبر عني جيدًا.
عبير، سيدة في أوائل الأربعينات من عمرها أخذها القدر لمستشفى الأمراض العقلية ..حاولت الفرار من قدرها، لكنه لم يسمح لها ، فبعد أن تم شفاؤها عاد بها أهلها لنفس القدر.. خوفا من الوصمة الاجتماعية .
تراءى لعبير اليأس ، لمعت بخاطرها فكرة الموت ، ولكن ماذا تفعل بعد الموت ..هل هناك خشبة تقف عليها وتشكو همومها.. لتنظر لحياتها بعيون مشاهد كم تأمل جلوسه أمامها يومًا ..عادت لصوابها ، وعادت إلى مسرح تردد عليه سؤالها البديهي "ماذا عن الغد؟ " .
قصدت نبع السمّ...وشربت سمّ
كثيرًا ما كانوا يسألوني في بدايات تأهيلي عن سبب قدومي هنا، كنت اصمت للحظات وافكر "هيصدقوني لو قلتلهم" وأخاف من نظراتهم واتهامتهم بالجنون وأقرر الصمت، ويظل السؤال عالقًا في أجواء الجلسة.
انهاردة فقط جاوبت على السؤال، على خشبة المسرح جاوبت، نعم؛ جئت بسبب رجل، حب رجل واحد كافي للذهاب بعقلها.
تقول ردًا على سؤاله : لا يمكن لاحدهم أن يقودنا إلى الجنون ما لم نمنحه مفاتيح القيادة، وانا سلمتك مفاتيح قلبي .
ينتهي المشهد وتُغلق الستار، استعدادًا للمشهد الأخير...
"اخد ابن عمي واتنشر عليه بكمي..واخد ابن خالي واتنشر عليه بشالي"
"اتجوزت ابن خالي، كان سباك، والجوازة كانت بسبب أهلي – خدي ابن خالك واتنشري عليه بشالك – نشأت مين ده اللي بتحبيه، هيعملك إيه حتّة المدرس ده..لكن ابن خالك سباك وهينغنك متبقيش عبيطة".
تصمت هنيهة، وتقول "ومابقتش عبيطة وسمعت كلام امي، لكن انا كنت بحب نشأت..مش قادرة اعيش مع عادل، بكره صوته..ريحته..سباكته، كل يوم بحلم بنشأت، بفتكرنا واحنا سوا، لكن خلاص وإيه لازمة اني افتكره ".
لم يحتمل زوجها السباك حبها لرجل آخر، وكما تعامل مع سباكته ..تعامل مع عبير، "مقدرش يستحمل حبي، كان بيضربني بمفاتيح سباكته..فاتحلي دماغي اكتر من مرة، رجعت لأهلي وطلبت منهم يطلقوني منه..لكن بلا فائدة، رجعوني ليه، واستمر الضرب واستمر عمل الدكتور".
إلى أن جاء اليوم ليذهب بعقلها نتيجة لضربه، لكنها تتسائل دايمًا هل ضرب عادل من ذهب بعقلها أم حُب نشأت.
لم تضعف أبدًا عبير، قاومت جنونها كما قاومت زواجها الباطل، هكذا تقاوم عبير الحياة..ويستمر حُبها، تبدأ فترة تأهيلها من خلال بعض الجلسات بجانب المسرح والسيكودراما،" زي ما عشقت نشأت عشقت التمثيل والمسرح" انتهت فترة تأهيلها واستعدت للخروج والعودة لمنزلها، لكن...
يقول "هو" بصوتٍ مرتفع ليبدأ مشهده الآخير: خبيثة تلك الأوجاع التي تخبئ نفسها خلف ضحكات وابتسامات ساحرة.
لكن، "أهلي قرروا اني مليش مكان في عالم العقلاء، أنا بقيت عار عليهم ولازم افضل هنا" رفضها اهلها، ماذا تفعل إذًا ..تستمر بالعلاج، لكنها تخطته..التأهيل، لكنها أيضًا تخطته، قرر دكتور التأهيل أن تكون مساعدته في تأهيل أصدقائها، "بقيت مساعد مخرج، وحلمي اني ادرس إخراج وابقى مخرجة ".
تنهي مشهدها وتقول : في حياة كل منا أشياء ثمينة جدًا، لكنها تجعل الآخرين يتهموننا بالتفاهة أو الضحالة أو الجنون إذا عرفوا بها، و نتهمهم نحن بالغباء و تبلد المشاعر عندما يبدون سخريتهم .
الكاتب
احكي
الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا