”مطبخ إمي” ينشر الثقافة الفلسطينية وينمي المجتمع المصري
الأكثر مشاهدة
اعتاد الفلسطينيون لف مفتاح الدار حول رقابهم، وتوريثه للأحفاد جيلًا بعد جيل، أملًا في العودة لديارهم المسلوبة، على نفس الدرب تسير دينا هاشم دهمش، فهي وإن لم تحمل مفتاحًا، تحافظ على الأكلات الفلسطينية وتنشرها في المجتمع المصري من خلال مشروعها "مطبخ إمي"، بهذا ترسخ جزءًا مهمًا من هويتها وتحميه من نسبته للاحتلال الذي سرق الوطن من قبل، ليؤكد مطبخها الصغير أن تلك الأرض باقية ما بقي الزعتر والزيتون.
ولدت السيدة دينا بالكويت، لأم غزاوية وأب من اللد المحتلة، وجاءت لمصر قبل حوالي 40 عامًا بقصد الدراسة بالجامعة الأمريكية، التقت نصفها الثاني وتزوجت منه واستقرت بالقاهرة. بدايتها العملية كانت في مجال الأزياء الذي ظلت في أروقته لأكثر من 20 عامًا، "عملت مع جوزي بيزنس ملابس وحققنا نجاح كبير.. بس بعد السنين دي كلها زهقت"، ابتعدت عن الأزياء لكن من تعود على فكرة العمل ذاتها لا يستطع العيش من دونه، فأخذتها الصدفة إلى مجال الطهي فهو يحمل الطابع الفني الذي تهوى.
"بحب المطبخ من زمان وبعتبره نوع من الفن"
أحبت منذ صباها أجواء المطبخ، وصرفت الكثير من الوقت والمال على كتب الطبخ قبل انتشار الإنترنت، ونهلت من والدتها الوصفات الفلسطينية التقليدية حتى أرتوت، "لما جيت أتجوز، أمي عملت لي كراسة فيها كل الوصفات عمرها دلوقتي 35 سنة"، وتحول هذا الشغف بالطبخ إلى مشروع حينما شاركت في "Event" بمجمعها السكني خلال صيف 2013، تواجدت على سبيل الهواية والتعريف بأكلات بلدها التقليدية وحفزتها والدتها على المشاركة، ورغم أنها لم تكن تنوي الاستمرار، تشاورت مع ابنتها ذات السنوات العشر لاختيار اسم يجمع منتجاتها، والتي اقترحت عليها قائلة: "سميه مطبخ ماما يعني (مطبخ إمي) بالفلسطيني"، فاعتمدت الاسم الذي ما زال ينطقه الناس بشكل خاطئ ويتسألون عن سبب تسميته.
النجاح الذي حققته خلال المعرض، بجانب تشجيع أختها وإيمانها بها، دفعاها إلى الاستمرار، فأنشئت صفحة باسم "مطبخ إِمي- Matba5 Immy" على فيسبوك وكتبت في وصفها: "مطبخ يجمع بين طبيخ إمي بكل أصالته وطبيخي بكل حداثته"، وشاركت في معارض مختلفة بشكل دوري وأصبح لها زبائنها.
"تدريب الناس البسيطة وتطوير مهاراتهم مش حاجة صعبة.. بيبقوا مادة خام سهلة التشكيل"
كبر المشروع على مدى سنوات عمره الخمس، وتطور ليأخذ بعدًا تنمويًا بجانب طابعه الثقافي، فاستهدفت دينا المساهمة في تنمية وتدريب الأسر الفقيرة ومساعدتها اقتصاديًا، بجانب نشر ثقافتها الفلسطينية وتعويد المستهلك المصري على أنواع أخرى من الطعام، فضمت سيدات 4 أسر للعمل من بيوتهن، ووقع اختيارها لهن بترشيحات الأصدقاء والمعارف، اطمئنت بنفسها من نظافة مطابخهن وقدرتهن على التعلم، وأشرفت على تدريبهن من أجل إعداد وصفاتها.
لم تكتف بذلك بل نقلت مطبخها لمكان أوسع، ووظفت 6 أشخاص يقيمون لديها، انتقتهم بعناية من خارج القاهرة وتحديدًا من الصعيد، "اخترت صعايدة علشان أخلاقهم العالية ومبادئهم وعلشان مش كل حاجة في القاهرة.. ناس من أفضل ما يكون"، أشرفت على تعليمهم من الصفر حتى أصبحوا "شيفات" يديرون المطبخ، تأخذ رأيهم في التطوير وتعتبرهم "أولادها"، لذلك تنتهج معهم أسلوبًا مختلفًا، فتضع صندوق مكتوب عليه "عقاب = ثواب"، ومن يخطئ عليه أن يترك به مبلغًا ماليًا، وآخر كل شهر يتم التبرع بحصيلته للفقراء، أو كما قالت بلهجتها الفلسطينية: "بنخبز عيش ونطعمي الناس".
"الأكل مزاج، علشان كده لازم أسمع للزبون"
ترى السيدة الفلسطينية أن الإنترنت، وما وفره من انفتاح للثقافات على بعضها، قد ساهم في انتشار مشروعها وإقبال المستهلكين عليه، "لو كنت بدأت المشروع ده من 25 سنة كان زماني بواجه صعوبة في انتشاره في مصر"، وتقول معظم من يجرب الأكل يحبه، كما تشرف بنفسها على المطبخ وخدمات ما بعد البيع، وتتأكد من رضا عملائها وحل المشكلات.
"رقم واحد في الطلبات هو محشي ورق العنب بزيت الزيتون، والمسخن (دجاج مشوي يقدم في خبز مع السماق وزيت الزيتون)، والمعجنات بالجبنة".
يتواجد "مطبخ إمي" بشكل دوري في أسواق مثل NUN بالزمالك، و"Events" يتم الإعلان عنها بصفحتهم على فيسبوك، ويوفرون طعامًا بالطلب ومواد خام للمطبخ، مثل الزيتون وزيته والزعتر، ومنها منتجات مزروعة في فلسطين وتم إنتاجها في الأردن.
وتحلم الأم دينا دهمش أن تكون الطاهي الرئيسي لمطعم يصبح أفضل من يقدم الوجبات الفلسطينية ويأتيه الناس بالاسم، وإن كانت تفضل العمل بمطبخه والإشراف على الأمور الإبداعية بدلًا من الإداريات التي لا تحبها.
صفحة مطبخ إمي على فيسبوك
الكاتب
ندى بديوي
الأحد ٠١ أبريل ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا