ج. ك. رولينج.. المُدرسة التي غير ”هاري بوتر” حياتها
الأكثر مشاهدة
في قطار مزدحم جلست امرأة في العشرينات من عمرها، اسمها مدون بلوائح الإعانات المالية الحكومية، انتظارها الطويل في الرحلة المتجهة إلى لندن، هيئ عقلها لاستقبال طرف حكاية عن ولد يتيم بشعر أسود يملك قدرات سحرية لا يعرف عنها شيء، فتشت في حقيبتها عن قلم تدون به ما مر بخاطرها، فلم تجد، وتحرجت من استعارة أحدها، فسكنت تفكر وتنسج تفاصيلًا أكثر لحياة الصبي "هاري بوتر" الذي سيصبح تميمة حظ جوان كاثلين رولينج، وفكرتها التي باعت أكثر من 400 مليون نسخة كتاب حول العالم فيما بعد.
"إنني حقًا لا أعرف من أين أتتني الفكرة. بدأت بتخيل هاري ثم جاء سيل من الشخصيات والمواقف إلى ذهني".
منذ طفولتها كانت البريطانية جوان تنسج القصص والحكايا، تجلس مع شقيقتها وتبدأ في السرد، لم تعلم أن القدر يجهزها لما هو أكبر، وبدا ذلك حين اختارت تخصصها الجامعي في اللغة الفرنسية لا حبًا في آدابها بل من أجل الحصول على وظيفة تمكنها من إعالة نفسها. بعد تخرجها عاشت لفترة في فرنسا وعملت مع منظمة العفو الدولية، إلى أن وجدت فرصة عمل كمدرسة لغة إنجليزية بالبرتغال، هناك التقت زوجها الأول، وأنجبت ابنتها جيسيكا، ثم انفصلت بسبب العنف الأسري، في زواج لم يدم أكثر من عام واحد.
"عنى لي الفشل التخلص من كل ما هو غير ضروري. توقفت عن القول لنفسي أنني أي شيء آخر عما أنا في الحقيقة"
تركت الأم العزباء أيام البرتغال ورائها، وانتقلت لتعيش بجوار أختها في إدنبرة بإسكتلندا، وهناك وجدت نفسها مسئولة عن طفلة، زواجها قد انهار، وبعد 7 سنوات من تخرجها أصبحت عاطلة عن العمل، ووصل بها الحال أن سجلت اسمها للحصول على الإعانات الاجتماعية، كل هذا الفشل الذي تجرعته حتى وصلت إلى القاع، حررها من نفسها ومن اللهاث وراء الأشياء التي لن تأت، وبسببه وجدت نفسها.
"قد تحررت، لأن ما كنت خائفة منه تحقق، وكنت لا أزال على قيد الحياة، ولا يزال لدي ابنة أعشقها، وآله كاتبة قديمة وفكرة كبيرة، وكان هذا أساس صلب لأعيد بناء حياتي عليه"
ظلت جوان تعمل على الفكرة التي واتتها على متن القطار، حبكتها في ثنايا عقلها، وصاغتها بكل ما أوتيت من تفاصيل حياتية، واستغلت موهبتها في خلق الأماكن والأشخاص من اللاشيء، لكن ذلك لم يشفع لها عند دور النشر التي رفضت عملها، حتى قابلت الناشر رقم 13 الذي وافق على النشر ومنحها في المقابل ثمن زهيد، واشترط كتابة اسمها بالحروف الأولى منه "لأن الأطفال لن يقرأوا كتابًا خياليًا ألفته امرأة"، كما نصحها بالبحث عن وظيفة صباحية لأن فرصها ضعيفة في سوق كتب الأطفال.
بعد نشر الكتاب وجدت رولينج نفسها أمام نجاح لم تتخيله، وفازت بمنحة مالية من مجلس الفنون الاسكتلندي كي لا تنشغل بأي شيء غير الكتابة، وأصبح كل من يقرأ الجزء الأول من حكاية الصبي الذي نجا من الساحر "هاري بوتر وحجر الفيلسوف"، متشوقًا لما بعده.. استمرت في الكتابة وحققت الأجزاء التالية من السلسلة نجاحًا أكبر، حتى وصل عشق سلسلة كتب الأطفال إلى الكبار، وقامت دور النشر بطباعة أغلفة مناسبة للبالغين كي لا تعيقهم فكرة قرائتهم لكتب أطفال أمام الآخرين.
لم يتجل النجاح الأسطوري للسلسلة في حلول جوان رولينج بقائمة المليارديرات كأول أعضائها من الكاتبات، ولا حينما أدرجت سلسلة كتب هاري بوتر ضمن الأكثر مبيعًا في التاريخ، أو عندما دخلت سلسلة الأفلام التي بنيت عليها ضمن الأعلى دخلًا في العالم، لكنه بدا في كيفية رسوخ التفاصيل، التي كتبتها من خيالها المجرد، في عقول الملايين حول العالم، في تصديقهم لوجود مدرسة السحرة "هوجورتس"، وفي انتظارهم ظهور من يحملون أقفاص طيور البوم في محطة قطارات "King's Cross" البريطانية، وفي تقديرهم لقوة الحب التي حمت صاحب الندبة التي تشبه البرق من قوى الظلام.
الكاتب
ندى بديوي
الخميس ٠٥ أبريل ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا