ميرفت تؤسس ”صوصل” وتضيف العصرية إلى ”خواصة” الواحات
الأكثر مشاهدة
بإحدى قرى الواحات الداخلة، التي كان يذهب إليها أحد ملوك هذه المنطقة لزيارة "بيت خاله"، فيجعلها ذلك مع مرور السنوات تصبح "بدخلو"، بدأت ميرفت عزمي مع صديقتها ليلى يحيى مشروع "صوصل" لتنعش حرفة الخواصة وتصدر منتجاتها للخارج.
"طول عمري شغلي في الصحراء" المكان الذي يبتعد عنه كثيرون ظنا منهم أن لا حياة فيه ولا أمل، عملت به ميرفت أكثر من 20 عاما. بعد التخرج من كلية السياحة والفنادق، عملت في التصوير الفوتوغرافي والتسجيلي عبر شركتها المتخصصة في توثيق السياحة البيئية بصحاري وواحات مصر.
لم تكن السياحة بوضع جيد خلال سنوات ما بعد الثورة، مما جعل عمل شركة التصوير يتوقف، لتعود ميرفت إلى الأرض التي اشترتها منذ سنوات طويلة في الواحات الداخلة "أنا بحب المكان جدا، وأشتريت الأرض عشان أقعد فيها في وقت من الأوقات وأبني بيت"، فالطبيعة الصحراوية الصافية التي تملكها الواحات في مصر تأسرها وتمنحها هدوءا وراحة لا يتوفران في زحام القاهرة.
وعلى هذه الأرض، أسست ميرفت مركز "صوصل" للحفاظ على التراث الحرفي بمنطقة الواحات، كشركة تقدم منتجات يعمل أهالي الواحات على صناعتها يديويا من خوص وجريد النخل، لتوفر لهم دخلا يعد ثابتا ويضمن اعتزازهم بحرفتهم وهويتهم.
في البداية، واجه المركز عائق إقناع أهالي المنطقة، وخاصة السيدات منهم، بالاستمرار في الحرفة التي كانت تواجه إنقراضا، بعد أن رأين أنها لم تعد تؤتي ثمارها، كما رفضن مواصلة تعليمها ونقلها إلى بناتهن "ده سببه عدم الوعي بالقيمة المعنوية للحرفة، لكن إقناع السيدات جاء بالشغل"، فاستطاعت ميرفت وصديقتها ليلى يحيى، اللتان تجمعهما اهتمامات مشتركة بالفن والبيئة، على تعريف سيدات الواحات الداخلة بقيمة حرفتهن وقدرتها على جلب المكسب.
"توعيتهم أنه الحرفة لها مكانة وقيمة بيئية واجتماعية، غير أنها تقدر تحسن حياتهم وتمنحهم الاستقرار المادي على المدى الطويل"، فتعتبر ميرفت أن تواجد مقر المركز بنفس القرية التي تعمل بها السيدات في الواحات الداخلة زاد ثقة أهالي المنطقة بالمشروع، "وجود المقر هناك أعطى لهم الإحساس أنه ملكهم وأنه المشروع يخصهم وهما شركاء فيه" وبدأت السيدات تتحمس لتعليم بناتها الحرفة، التي كادت تندثر.
من السلة التي يصممها أهالي الواحات لجمع البلح من النخيل، ويطلقون عليها اسم "صوصل Sosal"، استقت ميرفت اسم مشروعها ليحمل طابع تراثي وتقليدي، ولكنها عملت على أن تصل بهذه المنتجات المحلية إلى العالمية والتصدير لخارج مصر عبر المجلس المصري التصديري للحرف اليدوية.
رغم اقتراب عمرها من الخمسين، لم ترفض ميرفت أن تتعلم مرة أخرى لتوجه مشروعها نحو الاحترافية وتقدمم منتجات لها استخدام عملي وفعلي في كل بيت، وليست مجرد قطعة تراثية يتم الاحتفاظ بها، فتعلمت على يد مصمممين هولنديين وخضعت لعدد من التدريبات لتضيف إلى الخوص وجريد النخل خامات أخرى، وتصمم منهما استخدامات مختلفة عن التقليدي والسائد.
التصميم الجديد، الذي جعل من "الخواصة" حرفة يتم تصديرها للخارج، أضاف لها العصرية والحداثة، واستطاعت ميرفت أن تقدم من خلاله إكسسوارات منزلية تناسب الاستخدام في المطبخ والديكور بعد أن أدخلت إليها مواد أخرى كالنحاس والكروشيه "كنا عاوزين المنتجات تكون عملية وتناسب احتياجات السوق، وتصلح للتصدير".
المركز، الذي عمل على تحسين الواقع الاقتصادي والمادي لما يقرب من 21 سيدة بأسرهن، لم يتوقف دوره عند المال، ولكنه أصبح يشارك أهالي الواحات مشكلاتهم، فوفر خدمات اجتماعية، مثل التعاون مع جمعيات كفالة الأرامل، وإنشاء مدرسة لتعليم الفخار للأطفال، إلى جانب التأثير النفسي والوعي الذي يتركه لديهم حول أهمية منطقتهم بيئيا وسياحيا.
"نسبة الأمية في الواحات صفر، والتعليم أحسن من القاهرة، رغم أن الكتب المدرسية مش بتذكر الواحات وتاريخها" فقررت ميرفت أن يكون زرع الاتنماء والفخر بالهوية أحد أدوار المركز، "بدأنا نتكلم مع الأطفال في الجغرافيا والتاريخ" لتتولد لديهم روح الانتماء للمكان، ومعرفة مدى أهميته وقيمته البيئية والسياحية، حتى تقل نسبة الهجرة من الواحات إلى القاهرة.
بعيدا عن مدينة الزحام، التي يترك التكدس عوامله السلبية على قاطنيها، تهرب ميرفت كل فترة إلى الواحات لتتابع مشروعها وتنفض عن نفسها آثار "القاهرة" وضوضائها. بسبب عدم استغلال الدولة المصرية للحرف اليديوية التي تصل، حسبما تقول، إلى 1270 حرفة، حيث كل بلد وقرية ومنطقة لها حرفتها، تفقد مصر فرصة ربط السياحة البيئية بالحرف اليدوية وتنمية المجتمعات المحلية "رغم أنه السائح البيئي غير مكلف وبيدخل فلوس بنسبة أكبر من أي سائح تاني".
بعد النجاح في الوصول إلى باريس وألمانيا، تسعى ميرفت أن ينمو مشروعها "بشويش لكن بثقة"، غير متعجلة على نجاح أو وصول سريع لهدفها، ولكن المهم أن تترك مردود اقتصادي واجتماعي جيد لأصحاب الحرفة، ويصبح مشروعها "مركز أساسي للحفاظ على حرفة الخواصة"، متأكدة أن حبها لما تفعل وإخلاصها له سيجعلها تصل لما تريد.
الكاتب
هدير حسن
الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا